لِأَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ لَيْسَ مُمْتَنِعًا مِنْهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ هُوَ مَقْهُورٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَنَعَتِهِمْ. فَيَكُونُ (ص 185) أَمَانُهُ لَهُمْ بَاطِلًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الْعَسْكَرَ لَوْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ ثُمَّ أَمَّنَهُمْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؟ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَدِيمًا لِذَلِكَ الْأَمَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ آمَنَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَخَرَجَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مَقْهُورًا بِالْوَاحِدِ بَلْ يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَيَنْتَصِفُ فِي الظَّاهِرِ فَيَصِحُّ أَمَانُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ.
887 - وَلَوْ كَانَ آمَنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِشْرِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ. ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُمْ آمِنُونَ. بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْشَأَ الْأَمَانَ لِهَذَا الْعَدَدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ مَقْهُورٌ بِهِمْ فِي الظَّاهِرِ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَمَانُهُ.
قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ مَقْهُورٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ قَاهِرٌ مُمْتَنِعٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْقُوَّةُ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مُمْتَنِعِينَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَاهِرًا لَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا لَا مَقْهُورًا بِهِمْ. فَيَصِحُّ أَمَانُهُ لَهُمْ. بِخِلَافِ الْجُنْدِ، فَإِنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِشَوْكَتِهِمْ. فَيَكُونُ هُوَ مَقْهُورًا فِيهِمْ فِي دَارِنَا كَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.