لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ صَرِيحُ الْأَمْرِ بِالْإِجَارَةِ، وَالصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ.
وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا بِنَفَقَتِهَا، وَلَا يَسْتَأْمِرُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِيَ لِمَا قُلْنَا: إنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الَّذِي حَبَسَ دَلَالَةً، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْمَارِ الْقَاضِي.
4213 - وَإِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ فَرَسًا يُجْعَلُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ اسْتَغْنَى أَوْ مَاتَ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ حَبِيسًا أَبَدًا، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَبِيسِ أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَوَائِجِهِ فِي الْمِصْرِ فِي الْقِيَاسِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَوَائِجِهِ فِي الْمِصْرِ، وَمَا حَوْلَ الْمِصْرِ مِنْ شُهُودِ الْجِنَازَةِ وَالتَّشْيِيعِ وَنَحْوِهِ.
فَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ بِالرُّكُوبِ فِي الْحُرُوبِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الرُّكُوبِ فِي حَوَائِجِهِ [فَوَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ لَهُ الرُّكُوبُ فِي حَوَائِجِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ] كَمَا لَوْ رَكِبَهُ وَأَرَادَ بِهِ سَفَرًا، وَكَمَا لَوْ أَعَارَ فَرَسَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي طَرِيقٍ، كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الرُّكُوبِ يَنْفَعُ الْفَرَسَ وَلَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ رُبَّ فَرَسٍ إذَا رُبِطَ فِي الْمَرْبِطِ وَلَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ يُصِيبُهُ مَرَضٌ وَيُفْسِدُ سَيْرَهُ، وَفِي رُكُوبِهِ فِي الْأَحَايِينِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَرِيَاضَةٌ، وَالْمَالِكُ كَانَ كَالرَّاضِي فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْفَرَسِ.
وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَلِيلُ الرُّكُوبِ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ أَدَّى إلَى مَنْعِ النَّاسِ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَفْرَاسِ، إذْ لَا يَرْغَبُونَ إلَيْهَا مَتَى عَلِمُوا أَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَلِيلُ الرُّكُوبِ وَكَثِيرُهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ.