لِأَنَّ إحْرَازَ الْغَاصِبِ قَدْ تَمَّ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ مَلِكِهِمْ، وَسَلْطَنَتِهِ فِي دَارِهِمْ، فَكَانَ هَذَا وَالْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُحْرِزُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فِي الْحُكْمِ سَوَاءً.
3479 - وَإِنْ كَانَ مِنْ حُكْمِ مَلِكِهِمْ رَدُّ ذَلِكَ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَمْ يَخْتَصِمَا حَتَّى أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ رَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ. لِأَنَّ إحْرَازَ الْغَاصِبِ لَمْ يَتِمَّ، فَإِنَّهُ مَقْهُورٌ مَمْنُوعٌ مِمَّا صَنَعَ، لِحُكْمِ مَلِكِهِمْ، وَفِي الْأَوَّلِ هُوَ قَاهِرٌ مُقِرٌّ عَلَى مَا صَنَعَ بِحُكْمِ مَلِكِهِمْ.
3480 - وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ كَانَ حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَالُ مَرْدُودٌ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي الْأَصْلِ مَعْلُومٌ، وَسَبَبُ التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِحْرَازُ التَّامُّ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ قَوْمٍ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا بَيْنَهُمْ يَجِبُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَعْلُومِ.
3481 - فَإِنْ اخْتَصَمَا إلَى مَلِكِهِمْ فَجَحَدَ الْغَاصِبُ وَقَالَ: هَذَا مِلْكِي، مَا أَخَذْته مِنْهُ، فَأَقَرَّهُ مَلِكُهُمْ فِي يَدِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُسْلِمُ بِحُجَّةٍ، ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَذَلِكَ سَالِمٌ لِلْغَاصِبِ. لِأَنَّ إحْرَازَهُ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِتَقْرِيرِ مَلِكِهِمْ لِيَدِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ.
3482 - وَإِنْ أَقَامَ الْمُسْلِمُ الْبَيِّنَةَ، فَأَخَذَهُ حَاكِمُهُمْ مِنْ الْغَاصِبِ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، كَانَ لَهُ، وَلَا خُمْسَ فِيهِ.