وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِرُوحِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ الْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا. وَلِأَنَّهُمْ يَتَعَجَّلُونَ فِي هَذَا قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَلَا رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَخَافُ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُبْتُلِيَ بِمَخْمَصَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَحَدًا مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ.
3085 - وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي سَفِينَةٍ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنِينَ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَطْرَحُوهُمْ فِي الْمَاءِ وَإِنْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
لِأَنَّهُمْ آمِنُونَ فِيهِمْ بِسَبَبِ الذِّمَّةِ أَوْ الْأَمَانِ، فَكَانُوا كَالْآمِنِينَ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ.
3086 - وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ أَطْفَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ لِوُجُودِ عَاصِمٍ مِنْهُمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَسْتَرِقُّونَهُمْ كَمَا لَا يَقْتُلُونَهُمْ، وَفِي حَقِّ الْأَطْفَالِ الْمَنْعُ مِنْ الْقَتْلِ لَيْسَ بِعَاصِمٍ فِيهِ بَلْ لِانْعِدَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ وَهِيَ الْمُحَارَبَةُ، وَلِهَذَا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ، مَعَ أَنَّ فِي الِاسْتِرْقَاقِ إتْلَافًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، فَلِضَعْفِ حَالِهِمْ قُلْنَا.
عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ يُرَخَّصُ لَهُ فِي أَنْ يَجْعَلَهُمْ وِقَايَةً لِنَفْسِهِ.