وَمَشَايِخُ دِيَارِنَا يَقُولُونَ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الْقُرَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِلَفْظٍ ذَكَرَهُ هَا هُنَا فَقَالَ: الْقُرَى الَّتِي أَهْلُهَا مُسْلِمُونَ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْصَارٍ، فِيهَا جُمَعٌ وَحُدُودٌ، إذَا اشْتَرَى قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهَا مَنَازِلَ وَاِتَّخَذُوا فِيهَا الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ، وَأَعْلَنُوا فِيهَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ.
لِأَنَّ الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةِ مَعَالِمِ الدِّينِ فِيهِ مِنْ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ يَخْتَصُّ بِالْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى، وَهَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقُرَى فِي ذَلِكَ كَالْأَمْصَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ.
3014 - فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ فِنَاءِ الْمِصْرِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى الَّتِي يَكُونُ أَكْثَرُ السُّكَّانِ بِهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَمَّا فِي الْقُرَى الَّتِي يَسْكُنُهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
3015 - وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَصْلِ الصُّلْحِ أَنْ يُقَاسِمُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ فِي مَدَائِنِهِمْ وَأَمْصَارِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
لِأَنَّ اشْتِرَاطَ هَذَا الْمِلْكِ عَلَيْهِمْ كَاشْتِرَاطِ مَالٍ آخَرَ، فَيَجُوزُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا.
3016 - فَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فِي مُدَايَنهمْ وَقُرَاهُمْ، وَفِيهَا الْكَنَائِسُ وَبَيْعُ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ عَلَانِيَةً، وَتَزْوِيجُ الْمَحَارِمِ،