وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ جَعْفَرًا، الطَّيَّارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ مُؤْتَةَ لَمَّا أَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ تَرَجَّلَ وَعَقَرَ جَوَادَهُ، وَجَعَلَ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَرَجَّلَ فَيُقَاتِلَ وَيَسْتَقْتِلَ.

لِأَنَّهُ بِهَذَا الصَّنِيعِ يَرَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنْهُمْ بِحَالٍ، وَفِي هَذَا كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مُكَايَدَةِ الْحَرْبِ، قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.

مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ حَمِيُّ الدُّبْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اسْتَقْبَلَ يَوْمَ الرَّجِيعِ يَوْمَ بَنِي لِحْيَانَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَمِيَّ الدُّبْرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَيْقَنَ أَنَّهُمْ قَاتَلُوهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي حَمَيْت دِينَك بِجَهْدِي فَاحْمِ لَحْمِي، فَلَمَّا قُتِلَ أَرْسَلَ اللَّهُ الدُّبْرَ حَتَّى حَمَتْ لَحْمَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ لِيَجُزَّ رَأْسَهُ، فَقَالُوا: اصْبِرُوا حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ، فَإِنَّ الدُّبْرَ تَذْهَبُ بِاللَّيْلِ، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ طَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَسُمِّيَ حَمِيَّ الدُّبْرِ لِهَذَا.

وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقْبَلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتَّى قُتِلَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَرَجَّلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْتِلَ لِيُقْتَلَ أَوْ لِيَظْفَرَ بِهِمْ، وَأَنْ يَكْسِرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَأَنْ يَذْبَحَ فَرَسَهُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَلَا بَأْسَ بِعَقْرِهِ ثُمَّ يَمْضِي حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَظْفَرَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015