لِأَنَّ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْقِيقُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ.
2888 - وَلَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ حِصْنٍ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِهِمْ الْمَعْرُوفِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْطَعُوا أَشْجَارَهُمْ، وَيُغَوِّرُوا مِيَاهَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُحَاصِرِينَ أَحَدًا فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَلَّا يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ الْمَعْرُوفَةِ.
لِكَيْلَا يَتَضَرَّرَ بِهِ أَمْثَالُهُمْ أَوْ هُمْ بَعْدَ هَذَا، فَأَمَّا إذَا كَانُوا مُحَاصِرِينَ لِلْعَدُوِّ فَهَذَا الصَّنِيعُ يَكْسِرُ شَوْكَتَهُمْ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِمَّا يُخَافُ مِنْ الضَّرَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَلِهَذَا لَا بَأْسَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ.
وَلَوْ أَخَذَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَسِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مُحَاصِرُونَ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا لَهُ: دُلَّنَا عَلَى مَوْضِعٍ نَفْتَحُ مِنْهُ هَذَا الْحِصْنَ، وَهُوَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ يَحِلُّ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هَدَّدُوهُ بِالْقَتْلِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُفْتَحُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَظَفِرُوا بِالْحِصْنِ فَقَتَلُوا الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَوْا الذُّرِّيَّةَ فَلَيْسَ يَسْعَهُ أَنْ يَدُلَّهُمْ.
لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ هَلَاكَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وِقَايَةً لِرُوحِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْقَتْلِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ