يُمْكِنُهُ التَّحَمُّلُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، يَسْأَلُهُ صَدَاقَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرْسِلَ أَبَا قَتَادَةَ عَلَى سَرِيَّةٍ فَاخْرُجْ مَعَهُ، لَعَلَّ اللَّهَ يُغْنِمُك صَدَاقَ امْرَأَتِك، فَخَرَجَ مَعَهُ إلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي غَطَفَانَ، فَغَنِمُوا. غَنَائِمَ وَأَصَابَ الرَّجُلُ مَا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ» ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِي اسْتِئْمَارِهَا فِي الْخُرُوجِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا فَلَا بَأْسَ لِلْمَدِينِ. أَنْ يَخْرُجَ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ أَوْ مَنَعَهُ.
لِأَنَّ الْخُرُوجَ هَا هُنَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، وَالضَّرَرُ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّرَرَ يَرْجِعُ إلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ. فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدَفْعِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ حَقُّ الْمَنْعِ هَا هُنَا، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمَدِينِ اسْتِئْمَارُهُ أَيْضًا.
- فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اُسْتُنْفِرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلْيُقَاتِلْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَا يُخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) . لِأَنَّ فِي الْقِتَالِ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، فَكَانَ فِي اشْتِغَالِهِ بِهِ تَعْرِيضُ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْهَلَاكِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ.
- وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَكْتُوبَ الِاسْمِ فِي الدِّيوَانِ، فَأَمَرَهُ