مَنْ جَعَلَهُ مُحْصَنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُحْصَنًا، وَهُوَ الأَصَحُّ مَا لَمْ تُوجَدِ الإِصَابَةُ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ لأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ أَكْمَلَ الإِصَابَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَتَّى إِنَّ الإِصَابَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُحْصِنُهُ، فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الإِصَابَةُ فِي حَالِ كَمَالِ الْمُصِيبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، قَالَ: الأَمَةُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ، وَهُوَ لَا يُحْصِنُهَا حَتَّى يُصِيبَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ تَكُونُ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَصَابَهَا فَقَدْ أَحْصَنَهَا، وَهِيَ لَا تُحْصِنُهُ حَتَّى تُوجَدَ الإِصَابَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ الإِصَابَةِ رَقِيقًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ مُرَاهِقًا لَا يَصِيرُ الآخَرُ بِهِ مُحْصَنًا، وَكَذَلِكَ قَالُوا: الْكِتَابِيَّةُ لَا تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ.
وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الرَّجْمِ عَلَى الْمُشْرِكِ إِذَا زَنَى، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَهَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 49]، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتْرُكُ حُكْمَ كِتَابِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَيَحْكُمُ بِالْمَنْسُوخِ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْرَاةِ اسْتِظْهَارًا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيِّينَ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يَجِبُ عَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ جَبْرًا، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ