وَأَظْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا وَاسْتَعْدَى عَلَى خَصْمِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْدِيَهُ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29] أَنَّ الصَّغَارَ هُوَ جَرَيَانُ حُكْمِ الإِسْلامِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَهْرٍ مِنْهُمْ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمْ إِلَى حَاكِمِهِمْ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَة: 42]، وَإِذَا جَاءَ مُسْتَعْدِيًا لَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُعْدِيَهُ إِلا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ الذِّمِّيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدِرَا عَلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَبَادَرَا إِلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَارَ الْحُكْمَ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ الإِسْلامِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَيَجِبُ الإِعْدَاءُ إِذَا اسْتَعْدَى كَمَا إِذَا كَانَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُومَ لَا يُشَدُّ وَلا يُرْبَطُ، وَلا يُجْعَلُ فِي الْحُفْرَةِ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُمَكِّنْهُ أَنْ يُجْنِئَ عَلَيْهَا وَيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ.
وَرُوِيَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ هَرَبَ، وَلَوْ كَانَ مَشْدُودًا أَوْ فِي حُفْرَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبَ، وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، وَفِي الْغَامِدِيَّةِ فَحَفَرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَفْرِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَوْثَقْنَاهُ وَلا حَفَرْنَا لَهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُحْفَرُ لَهُ.