ولكن زعم قوم أن الله تعالى يحدث الأشياء ويخلق عند هذه الأسباب ولا يخلقها بها.
وهذا الزعم فاسد باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة، وصاحب هذا الزعم منكر للقوى التي أودعها الله تعالى في السباب، فهذا المنكر في الحقيقة منكر للمحسوسات فهو مكابر وليس بمناظر.
9 ـ معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه".
أقول: (السبب) في اللغة عبارة عن الحبل، ويقال لكل شيء يكون الوصول به إلى شيء آخر: إنه سبب؛ فالسبب ما يتوصل به إلى المقصود، وهذا المقصود يسمى مسبباً، سواء كان ذلك السبب حبلاً، أو دلواً، أو سلاحاً، أو شيئاً آخر.
والسبب في الاصطلاح العام (شرعاً وعرفاً) : هو ما يتوقف عليه المقصود.
أي: السبب هو الذي لا يحصل المسبب إلا بوجوده؛ كالنصاب: فهو سبب لوجود الزكاة.
ثم السبب قد يكون تاماً، وهو الذي يكون سبباً وحيداً لوجود المسبب، وقد يكون ناقصاً: وهو الذي يكون سبباً للمسبب، وقد يكون ناقصاً: وهو الذي يكون سبباً للمسبب، ولكن هو وحده لا يكون سبباً لهذا المسبب؛ بل يكون معه سبب آخر لذلك المسبب، وذلك إذا كان للمسبب سببان لا يستقل احدهما دون الآخر، وإذا اجتمعا يكونان سبباً كاملاً كالنصاب وحوَلان الحول كلاهما سبب لوجوب الزكاة.
الحاصل: أن قصد شيخ الإسلام هو الرد على من جعل الأسباب مستقلة مستغنية في إيجاب المسببات.
فأراد شيخ الإسلام أن يرد على هؤلاء من وجهين:
• الأول: أن الأسباب مفتقر بعضها إلى بعض، فما من سبب مستغنٍ عن الآخر؛ وما من سبب إلا وهو مفتقر بعضها إلى بعض، فما من سبب مستغن عن الآخر؛ وما من سبب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه.