فأقول: النسبة بين الشيئين قد تكون نسبة التخالف فهما متخالفان.
1 ـ والمتخالفان إن كان أحدهما وجودياً والآخر عدمياً، فهما نقيضان نحو الإنسان واللا إنسان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
2 ـ وإن كان كلاهما وجودياً لا يمكن أن يجتمعا ولكن يجوز ارتفاعهما نحو الإنسان والحجر فهما ضدان، أو متضادان فالإنسان والحجر لا يجتمعان في محل واحد.
فلا يقال: هذا الشيء إنسان وهذا حجر، ولكن يجوز ارتفاعهما.
فيقال: هذا الشيء لا حجر ولا إنسان لأنه كتاب.
3 ـ وإن كان تَعَقُّل أحدهما موقوفاً بتعقُّل الآخر فهما متضائفان. نحو الأب والابن.
فزيدٌ لا يمكن أن يكون أباً وابناً في جهة واحدة، ولكن يجوز أن يكون أباً لشخص آخر ولكن لا يتصور الأب بدون الابن ولا الابن بدون الأب.
4 ـ وإن أحدهما وجودياً والآخر عدمياً ولكن محل العدمي قابل للوجودي. فهما عدم وملكة نحو العمى والبصر.
فالعمى: عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيراً.
وإذا علمت هذا فاعلم: أن من الجهمية من قال: إن الله تعالى لا حي ولا ميت، ولا موجود ولا معدوم، فينفي عنه النفي والإثبات، فرد عليهم شيخ الإسلام بأن هذا رفع للنقيضين وهذا باطل بإجماع العقلاء.
فقال هؤلاء الجهمية: إن هذا ليس من قبيل رفع النقيضين، بل هذا من قبيل رفع العدم والملكة، ويجوز في العدم والملكة أن يرتفعا فيقال: هذا الجدار لا أعمى ولا بصير، لأن المحل إذا لم يكن قابلاً يجوز حينئذٍ أن تنفي عنه العدم والملكة.
فأجاب شيخ الإسلام: بأن الوجود والعدم ليسا من قبيل العدم والملكة بل هما من قبيل الإيجاب والسلب، أي هما من قبيل المتناقضين، ولا يجوز رفع المتناقضين كما لا يجوز اجتماعهما.