وأما الموت حكمًا، فذلك في المفقود إذا مضت المدة التي تحدد للبحث عنه فإنه يحكم بموته، ما لدليل؟ قالوا: تنزيلاً للظن منزلة اليقين عند تعذره. يعني: ما طلب فيه اليقين قد لا نستطيع، ويتعذر علينا أن نصل إلى اليقين، هذا الأصل، فَنُنَزِّل الظن الذي هو قريب من اليقين منزلة اليقين، وهذا كثير في مسائل الفقه، إذًا تنزيل للظن منزلة اليقين عند تعذره، وهذه قاعدة فقهية مشهورة عند أهل العلم، ولفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، إذًا للقاعدة وإفتاء الصحابة بذلك، إذًا متى أو لماذا نحكم بكون المورث قد مات حكمًا؟ للقاعدة وفعل الصحابة، وإلا لم يوجد نص، وأما اشتراط حياة الوارث بعد موت مورثه فلقوله: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}. لها اللام هذه ملكية، وهل يملك الميت؟ الجواب: لا، إذًا يدل على أنها حياة، واللام هنا للتمليك وهو لا يكون إلا للحي، ويحصل تحقق حياته بما يحصل به تحقق موت مورثه، يعني: معاينة، والاستفاضة، وشهادة عدليين، يعني: يحصل تحقق حياته حياة الوارث، معاينة تراه أمامك يمشي يتكلم، هذه معاينة، أو استفاض قد يسافر عشرين سنة لكن تعلم أنه باقي على حياته، أو إذا كان يكتب، أو يدرس، أو يعلم ترى كتبه ونحو ذلك، أو شهادة عدلين إذا احتيج حينئذٍ يشهد بأنه لا زال حيًّا، وأما حياة الوارث حكمًا فمرادهم به الحمل يرث من مورثه وإن لم ينفخ فيه الروح بشرط خروجه حيًّا حياةً مستقرة، يعني: ولو كان نطفة، إذا ثبت وجود الحمل بعد موت المورث ولو بلحظة، ولو نطفة حكمنا عليه بكونه وارثًا، كيف وهو لم تنفخ فيه الروح؟ قالوا: هذا تنزيلاً له منزلة الحي. وأما اشتراط العلم بالسبب والشرط الثالث، لماذا اشترطناه؟ ما الدليل عليه؟ هذا واضح لأن الشرع رتب أوصاف وأحكام على أشياء متى ما وجدت وتحققت هذه الأوصاف التي هي: الأسباب، والشروط ... إلى آخره هذا الحكم عام لا يختص بالشروط، حينئذٍ نقول: متى ما وجدت ترتب عليه الحكم وإلا فلا، كما نحكم بصحة الصلاة، متى نحكم بصحة الصلاة؟ إذا وجدت الشروط والأركان والواجبات وانتفت الموانع حكمنا على الصلاة بكونها صحيحة، من الذي رتب هذا على ذاك؟ الشرع، كيف رتب هذا على ذاك؟ بأن حكمنا على هذا القول والفعل بأنه شرط، أو ركن، أو واجب، أو أن هذا مانعٌ من كذا، فإذا انتفت الموانع ووجدت الشروط والأركان حكمنا بالصحة، نحكم بالفساد متى؟ إذا انتفت الشروط أو بعضها أو انتفت الأركان أو بعضها إلا ما جاء استثناؤه كالقيام مثلاً والعجز ونحو ذلك هذا له حكمه الخاص، وأما اشتراط العلم بالسبب المقتضي للإرث فلأن الإرث مرتب على أوصاف، فإذا لم توجد هذه الأوصاف لم يحكم بثبوت ما رتب عليها من الأحكام، فلا يحكم بالشيء إلا بعد وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه، هذه ثلاثة شروط يكاد أن يكون متفق عليها وليس فيها خلاف بين أهل العلم.
ثم قال رحمه الله:
(بَابُ أَسْبَابِ الْمِيْرَاث)