إذًا الأول مؤن التجهيز عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى فهي مقدمة على غيرها من الحقوق، هذا إن وجدت عنده تركة، فإن لم توجد حينئذٍ نقول: على من تلزمه نفقته في حال الحياة، إن لم يوجد حينئذٍ على بيت مال المسلمين إن كان مسلمًا، فإن لم يوجد بيت مال أو تعذر الأخذ منه حينئذٍ يجب على من عَلِم بحاله الذي يعلم بحاله من المسلمين هو الذي يجب عليه، يعني: من عَرَف أن زيدًا مات حينئذٍ وجب عليهم كلهم أن يتبرعوا بحقوق أو مؤن التجهيز.
الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة: كالدين الذي به رهن، والأرش المتعلق برقبة العبد الجاني ونحوهما، الحقوق المتعلقة بعين التركة بذات التركة، وهذا مقدم كبيت مثلاً تعلق به الرهن رهنه جعل هذا البيت رهنًا، نقول: حينئذٍ هذا الدين المرسل تعلق بعين التركة بذاتها ليس بالذمة، بالذمة بأن يكون متعلقًا في رقبته بأي مال لم يتعين المال، وأما إذا جعل هذه الأرض مثلاً أو هذه العمارة رهنًا حينئذٍ نقول: تعلق بعين العمارة، بعين الأرض هذا يسمى ماذا؟ يسمى دينًا متعلقًا بعين التركة بذاتها هي التركة نفسها، لو رهن رجل عمارةً ثم مات وليس عنده إلا هذه العمارة حينئذٍ نقول: هذه العمارة قد تعلق بها حق بعينها بذاتها، نقول: هذا ماذا؟ دينٌ متعلق بعين التركة، ففرق بين الدين المتعلق بالذمة، ودين متعلق بعين التركة، يعني: التركة نفسها هي دين، هذا مقدم عند الأئمة الثلاثة على مؤن التجهيز، وعند الإمام أحمد متأخر، وهذا له حظ من النظر مذهب الأئمة الثلاثة له حظ من النظر، وإنما قدمت على ما بعدها لقوة تعلقها بالتركة حيث كانت متعلقة بعينها، وعند الأئمة الثلاثة تقدم هذه الحقوق المتعلقة بالتركة على مُؤن التجهيز، وهذا له حظ من النظر كما ذكرنا، لأن تعلقها بعين المال سابقٌ، أي: تعلقه بعين المال قبل أن يصير تركة، لأنه رهن الأرض، أو رهن العمارة مثلاً، ثم مات، ثم وجبت مُؤن التجهيز أيهما أسبق؟ الأول، لأن الرهن وهو حي، ومُؤن التجهيز وهو ميت، وأيهما أسبق؟ الحياة ولا شك أنه أسبق، إذًا لما تعلقت هذه الديون بعين التركة وهي أسبق كانت متقدمة من حيث الاستيفاء، وهذا تعليل واضح بين، ولذلك في الأول مُؤن التجهيز مقدمة ليس فيه إلا نظر واجتهاد لو كان ثَمَّ نص لا إشكال فيه، وإما هذا فحينئذٍ نقول: الأولى تقديمه على ما سبق. لأن تعلقه بعين المال سابقٌ، أي: تعلقه بعين المال قبل أن يصير تركة، والأصل أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة، الأصل الذي ينبغي اعتباره أن كل حق يقدم في الحياة يقدم في الوفاة، وعلى هذا فيقوم بمؤن التجهيز من تلزمه نفقة الميت إن وجد وإلا ففي بيت المال، يعني: إذا قيل بأن هذه التركة قد ذهبت لتعلق الدين بعين التركة راحت طيب مُؤن التجهيز على من؟ على من تلزمه نفقته قد يموت الابن حينئذٍ الأب يجب عليه النفقة فعلى الأب مُؤن التجهيز إن لم يوجد حينئذٍ بيت المال إن كان ثَمَّ بيتُ مال، إن لم يوجد بيت مال؟ على من علم بحاله من علم بحاله، على هذا الترتيب عند أهل العلم.