الأول عند الحنابلة: مُؤَن التجهيز، تجهيز الميت إذا مات يحتاج إلى مُغَسِّل، وقد لا يوجد مغسل متبرع إلا بمال، يحتاج إلى شراء كفن، يحتاج إلى حَفْرِ قبر، قد لا يوجد متبرع لا بد بمال، قد يحتاج إلى حَمَّال يحمله سيارة نقل يحملونه من المسجد إلى المقبرة، قد لا يكون هذا موجودًا على جهة التبرع والاحتساب، حينئذٍ أول ما يُخرج من التركة مُؤَنُ التجهيز، فكل ما يتعلق بتجهيزه فهو مقدم على غيره عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى، الأول عند الحنابلة مُؤَنُ التجهيز من كفن، وأجرة مغسل، وحَمَّال، وحفر قبرٍ، ونحوه بمعروفٍ لمثله، يعني: بما يستحقه، فإذا كان ثَمَّ عرف بين الناس بأن من حفر القبر له مثلاً خمسون لا يأتي يُعطى مائة مثلاً لا يُتبرع له، لماذا؟ لكون هذا المال قد تعلقت به عِدَّتُ حقوق، فحق مُؤنُ التجهيز يعطى لمن أراد المال بمعروفٍ لمثله، يعني: بما تعارف عليه الناس، فإذا تعارف الناس أنه يحمله بالسيارة بعشرين ريال مثلاً ما يعطيه خمسين فإن أعطاه وزاده ثلاثين يضمنها من أعطاه يردها إلى التركة، لماذا؟ لكون ثَمَّ حقوقًا أخر تعلقت بهذا، كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه، ولباسُ المفلِسِ مقدمٌ على قضاء ديونه كذلك كفن الميت، يعني: من باب الاجتهاد، هذا من باب الاجتهاد، المفلس شخص عليه ديون فشكوه الناس إلى قاضي حينئذٍ ديونه كثيرة وعنده مائة ريال هذه المائة يا دوب تعشيه وتغديه وتفطره، هل نقول: أعطِ الناس هذه المائة قضاء الدين أو ما زاد على المائة؟ ما زاد، لأنه ماذا؟ نفقته هذه مقدمة على ديون غرمائه، فكما قُدِّمَ الحيُّ في ذلك فهو ميت من باب أولى وأحرى، فكما قُدم المفلس في كونه يحتاج إلى نفقة وهذه النفقة مقدمة على الديون التي تعلقت بماله حينئذٍ لو كان ميتًا الأمر كذلك، ولباس المفلس مقدم على قضاء ديونه، فكذلك كفن الميت، ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت، إذًا هذه حجةُ الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو المرجح في المذهب عند الحنابلة أن مُؤنُ التجهيز مقدمة على غيرها من الحقوق.

مسألة: وإن لم يخلِّف الميت تركة، ما عنده تركة حينئذٍ هذه الأمور مُؤن التجهيز كيف تكون كيف شأنها؟ إذا لم يكن عنده تركه لم يُخلف ولا فَلْسًا وهذه الكفن، والحفر .. إلى آخره بمال ماذا نصنع؟ فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقتُه في حال حياته، لأن ذلك يلزمه في حال حياته فكذلك بعد الموت، فمن تلزمه نفقته في حال الحياة هو الذي يتوجب عليه مؤن التجهيز فإن لم يكن له من تلزمه نفقته حينئذٍ مؤنة تجهيزه على بيت المال إن كان الميت مسلمًا، بيت المال، يعني: على جهة الدولة مثلاً الحكومة هي التي تتولى مؤن التجهيز، متى؟ إن كان مسلمًا، فإن لم يكن بيت مال ما عندنا بيت مال لا يوجد، فإن لم يكن بيت مال أو وُجد ولكن تعذر الأخذ منه فمؤنة تجهيزه على من علم بحاله من المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015