لا بد من التقدير، يعني: على مذهب زيد، نحا مذهب زيد، لأنه هو ما اختار زيد ذات زيد، وإنما اختار ماذا؟ أقواله، والأقوال هي المعبّر عنها بالمذهب، إذًا (وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي)، أي: نحا وقصد ومال إلى مذهب زيد، (وَقَدْ نَحَاهُ) قصد مذهبه تقيدونه بعد النظر هكذا الشافعية لئلا يقول مقلِّد بعد النظر، وهو كذلك الشافعي رحمة الله تعالى ما يأخذ الأقوال هكذا، وإنما يُنْظرُ فيها بعد النظر في الدليل، (وَقَدْ نَحَاهُ)، يعني: قصد مذهبهُ بعد النظر، أو زيدًا على تقدير مضاف، ... (نَحَاهُ)، يعني: نحا مذهب زيد، على تقدير مضاف، أي: مذهب زيد، (الشافِعِي)، يعني: الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافعي ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف اجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ابن قصي الشافعي القرشي المُطلبي والحجازي المكي رضي الله تعالى عنه يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبدِ مناف.
ومناقبه شهيرة وفضائله كثيرة وصنف الأئمة في مناقبه قديمًا وحديثًا.
ولد رحمه الله تعالى سنة خمسين ومائة، خمسين ومائة، مائة وخمسين في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة رحمة الله تعالى، مائة وخمسين هذا يموت وهذا يولد، والذي عليه الجمهور أنه وُلد بغزة، قيل: بعسقلان، قيل: باليمن، قيل: بالخيف بمنى، ثم حُمِلَ إلى مكة وهو ابن سنتين وتوفي بمصر ليلة الجمعة بعد الغروب آخر يومٍ من رجب سنة أربعٍ ومائتين وهو ابن أربعٍ وخمسين سنة، هذا الإمام الشافعي قد اختار مذهب زيد دون غيره من المذهب، (فَكَانَ أولَى بإتَّبَاعِ التَّابِعِي ** لاسيما) لا مثل هذه الشهادة السابقة ليس لها مثل، (وَقَدْ نَحَاهُ الشافِعِي) (نَحَاهُ)، أي: قصد مذهبه الإمام الشافعي، وهو أولى بالإتباع كما هو ظاهرُ كلامه.
يقول الشارح: ومعنى كون الشافعي رحمه الله نحا مذهب زيد أنه قصده ومال إليه موافقةً له في الاجتهاد، هذا الظنّ به رحمه الله تعالى، لأنه يرى أن القياس كالميتة، فمن باب أولى القياس دليلٌ شرعي، هو أعلى حُجِّيَةً ومرتبة من قولِ زيد، لأن قول زيد قول صحابي وهو مختلفٌ في حجيته، وأما القياس فهو مجمعٌ على حجيته لا إشكال فيه، ويقول في القياس أنه كالميتة، يعني: لا يُلجأ ويلتجأ إليه إلا عند الضرورة كما أن الميتة الأصل فيها التحريم لأنها نجسة ولا يُلجأُ إليها إلا عند الضرورة وهي المخمصة كذلك القياس، حينئذٍ من باب أولى أن الشافعي الإمام المعروف صاحب كتاب ((الرسالة)) وأول من صنف في أصول الفقه أنه لا يقلد صحابيًّا البتة، وإنما يُنظرُ في قوله مع دليله، فإن وافق الدليل أُخذَ به وإلا تُركْ.
فَهَاكَ فِيهِ القَوْلَ عَنْ إيجَازِ ... مُبَرَّأً عن وصْمَةِ الألغَازِ