فالقَربُ من القيام ثابت لأن كاد فعلٌ ولم يدخل عليها نافي، حينئذٍ كاد أي قرُبَ من الفعل والقَرب موجود والفعل الذي هو القيام غير موجود، وهذا واضحٌ بيّن، فالقُرب من القيام ثابتٌ، لكن القيام نفسه غير ثابت، وإذا قلت بالنفي لا يكادُ زيدٌ يقوم حينئذٍ نفيت القُرب مع نفي القيام من بابٍ أولى، نفيت القُرب لا يكاد لا يقرب إذًا المنفي ليس بثابت كالأول، لا يكاد زيدٌ يقوم فالمعنى لا يقرب زيدٌ من القيام، فالقُرب من القيام منفيٌ وكذا القيامُ بالأولى ولذلك كان قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]. أبلغ من أن يقال لم يَرَهَا {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} هذا نفيٌ للقربان للقُرب، وأما لم يرها هذا نفيٌ مباشر وذاك أولى، وهذا كقوله أيضًا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء: 32]. فإنه نهى عن القربان، أليس كذلك؟ فهو دليلٌ على أن الزنا من باب أولى وأحرى، أليس كذلك؟ إذا حرّمَ الوسيلة الموصلة إلى الزنا فتحريم الزنا من أولى وأحرى هذا واضح. وقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}. أبلغ من قوله لا تزنوا مثلاً، لأن ذاك نص في نفي الفعل والنهي عنه وهذا نص فيه، وفيه زيادة وهو النهي عند قربانه وهذا دليلٌ على أنه محرمٌ من باب أولى، والمشهور عن النحاة أن إثباتها نفيٌ ونفيها إثبات على عكس غيرها، وكلام المصنف حينئذٍ يحملُ على أي القولين ... (حتى لا يكادُ يوجدُ) على أي القولين؟

على الأول. فنفيٌ للقُرب من الوجود. لو قيل: لا يكادُ نفيُ كاد إثبات هذا مخالفٌ للنصوص، أليس كذلك؟ لأن نفيها إثبات، وجاء أنه ينتزع ويُنْسى حينئذٍ كيف يقال لا يكادُ يوجد ونفي كان إثبات، حينئذٍ يكون موجودًا في الأرض على عكس ما ورد في الآثار، وليس هذا مراد الناظم حينئذٍ يحمل قوله: (لا يكادُ يوجدُ). على القول الذي ذكره البيجوري وغيره بأن كاد كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات، وأما لو حملناه على المشهور عند النحاة حينئذٍ صار فيه مضاد لِمَا اشتهر من أن علم الفرائض لا يوجد بمعنى أنه يُنْتَزَع ويُنسى من الأرض. وكلام المصنف على القول الأول لأنه يقتضي على القول الثاني أنه يوجد، لأن كاد للنفي وقد دخل عليها النفي، ونفي النفي إثبات، وهذا فيه معارضةٌ لما سبق.

بأنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفقَدُ ... في الأرضِ حَتَّى لا يَكَادُ يُوجدُ

فقوله: لا يكادُ يوجدُ، أي يقربُ من عدم الوجود، لأن كان من أفعال المقاربة، وظواهر الأحاديث أنه يفقد حقيقةً، وهذا القول بناءً على أن لا النافية داخلةٌ على يكاد.

ثمَّ قول آخر من توجيه قول الناظم هو أن (لا) هنا ليست داخلة على كاد، وإنما دخلت على يوجد (حَتَّى لاَ يَكَادُ يُوْجَدُ) حتى يكاد بدون لا، لا يوجدُ حينئذٍ لا هنا مسلطة على ماذا؟ على كاد أو على خبرها؟ على الخبر، ولا إشكال لئلا يقع معارضة بين هذا النص مع ما اشتهر.

إذًا أفادنا المصنف بأن علم الفرائض قد خُصَّ بالأمر الذي شاع عند أهل العلم بناءً على الحديث الذي ذكرناه - وفيه ضعف - لأنه أول وأسبق علمٍ في الأرض يُفْقَدُ يعني يفقد من الأرض حتى لا يكاد يوجد، لا يقرب وجوده البتة، وهذا نفيٌ له حقيقة.

وأنّ زيدًا خُصَّ لا مَحَالَةْ ... بما حباهُ خاتَمُ الرسالةْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015