وقوله: (مخصوصٌ بما ** قد شاع). أي مخصوصٌ بالذي قد فشا واشتهر فيه عنه جميع العلماء، وقوله: (بأنه أول علمٍ يفقدُ). هذا بدلٌ من قوله: (بما ** قد شاع فيه). وهذا أولى، ويجوز أن يكون متعلقًا بمخصوص. وقوله: (يفقدْ ** في الأرض). أي: من الأرض بفقد العلماء به لا بانتزاعه من صدور العلماء. وقوله: (حتى لا يكادُ). حتى للغاية إن لوحظ فيها التدريج، يعني بأن يفقد شيئًا فشيئًا، وهذا شأن العلوم، شأن العلوم إذا فُقِدَت لا تفقدُ دَفْعَةً واحدة فإنما تفقدُ شيئًا فشيئًا، ولذلك نص بعضهم على أن العلم قد جاء العموم ليس الفرائض فحسب أنه يُنتزع بموت العلماء، إنما يُبدأ فيه في انتزاع الطرائق المؤدية إلى العلم، وهذا شأنه واقعٌ وحاصل، لأن العلم إدراكه وكونه من العلماء له طريقة، إذا حصل خلطٌ في هذه الطريقة الموصلة إلى العلم لأن الطريقة واحدة متحدة عند أهل العلم لم تصل إلا من هذا الطريق، فإذا حصل خلطٌ في الطريق حينئذٍ أدَّى إلى عدم وجود علماء، وإذا لم يكن كذلك فحينئذٍ ذهب شيءٌ من العلم لأنَّ من يطلب العلم قد يطلب العلم ويطلب، ويطلب ويظن أنه على طلب صحيح وليس الأمرُ كذلك، إذًا أول ما يؤتى شأنه من جهة قبض العلم هو ذهاب الطرائق المشهورة عند أهل العلم، وهذه إذا تأملت الآن موجودة وراسخة. إذًا (حتى لا يكادُ) حتى للغاية إن لوحظ التدريج بأن يفقد شيئًا فشيئًا، وتفريعية إن لوحظ الفقد دفعة واحدة، وهذا لا يكون، والأولى حمله على السابق، (لاَ يَكَادُ يُوْجَدُ)، كاد هل هي كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات، أم أنها بالعكس نفيها إثبات وإثباتها نفي، هذا محل نزاع بين النحاة، وعليه نقول: قيل: كاد كغيرها فنفيها نفيٌ وإثباتها إثبات، فإذا قلت: كاد زيدٌ أن يقوم، كاد أي قَرُبَ زيدٌ أن يقوم حينئذٍ هنا فيه إثبات وفيه نفي، القيام منفي، والقرب هذا مثبت، لأن كاد هنا لم يسبقها حرف نفي، مثل قام، قام زيدٌ هنا فيه إثبات القيام، لو قلت: ما قام زيدٌ فيه نفيٌ للقيام، كاد مثلها (لا يكادُ)، (يكادُ) إذًا نفيها نفي وإثباتها إثبات، هذا قولٌ لبعض أهل العلم، والمشهور خلافه، فإذا قلت: كاد زيدٌ أن يقوم فالمعنى قَرُبَ زيدٌ من القيام.