ولما كان المقصود الأعظم من هذه الثلاثة هو الثالث قسمة التركات والأولان وسيلتان له، بذلك بدأ الناظم هنا في بيان ما يتعلق بماذا؟ استخراج الأصول، (فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ) لماذا بدأ بالتأصيل؟ لأنه وسيلة إلى قسمة التركة، وإن كان المقصود بالفرائض هو إيصال كل ذي حقٍّ حقه، يعني: يُعطى حقه، لما كان المقصود الأعظم منها الثالث وهو قسمة التركة والأولان وسيلتان له بدأ بهما، وهما: التأصيل، والتصحيح.
والتأصيل مصدر أَصَّلَ يُؤصِّلُ تَأْصِيلاً فعّل مصدر أَصَّلْتُ العدد إذا جعلته أصلاً، فالأصل هو ما بني عليه غيره، وفي الاصطلاح عند الفرضيين كما عرفه الشارح هنا أصلها، أي: تأصيلها مخرج فرضها أو فروضها، مخرج الفرض أو فروضها، يعني فروض أصحاب الفروض، وهو ما فوق الواحد، يعني: المراد بالجمع هنا ما فوق الواحد على القاعدة المطردة، فأقل عدد يصح منه فرضها أو فروضها هو تأصيل المسألة، عندما نقول: للزوج النصف، والأم الثلث، والجد السدس. نقول: المسألة من كذا. مراد المسألة من كذا، التعبير بهذا هو أصل المسألة، لأنك تأخذ السدس والنصف ممن ماذا؟ من أي شيء؟ من أصل المسألة، كيف تأتي بأصل المسألة؟ هو الذي نريد دراسته، هو الذي ينبغي معرفته، كيف نستخرج الأصل من أصحاب الفروض؟ هذا له نصف، وهذا له سدس، وهذا له ثلث ... إلى آخره، إذا اجتمعت هذه الفروض، أو وُجد صاحب فرض مع غيره أو كلهم رؤوس عصبة، كيف نخرج أصل المسألة؟ فنقول: السدس من الستة واحد، النصف من الستة ثلاثة ... إلى آخره، فأقل عدد يصح منه فرضها أو فروضها هو الأصل، والتصحيح تفعيل من صحة ضد السقم، ولما كان المراد هنا غالب الإزالة الكسر لأن التصحيح هذا خاص في المسائل التي يقع فيها انكسار، إزالة الكسر الذي وقع بين الفريق وسهامه من أصل المسألة وكان الكسر بمنزلة السقم، والفرضي بمنزلة الطيب لعلاج السهام المنكسرة، حينئذٍ سُمِّيَ ماذا؟ سُمِّيَ تصحيحًا، وهذا إنما يكون بضربٍ مخصوص ليزول سقم الانكسار، وتصحيح السهام سمي فعل ذلك تصحيحًا، إذًا التصحيح متعلقٌ ببعض المسائل ليس بكلها، وإنما هو فيما إذا كان نصيب ما يكون متعلقًا بالورثة لا ينقسم عليهم، فنقول: عدد الرؤوس أربع إخوة مثلاً {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، لهم الباقي وهو ثلاثة، ثلاثة لا ينقسم على أربعة إلا بوجود انكسار، حينئذٍ لا بد أن نصحح المسألة بحيث كل واحد يأخذ من هذا الثلاث يأخذ عددًا صحيحًا، ولا نحتاج إلى أن نقول: واحد وثلث، واحد وثلثين، واحد وخمس، لأن هذه تُشْكل فنحتاج إلى أن يقال بأن له واحد، أو له اثنان، أو له ثلاثة ونحو ذلك، هذا يسمى بماذا؟ يسمى بتصحيح المسائل.
وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلا ... وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلاَ
قال الشارح:
فَاسْتَخْرِجِ الأُصُولَ في الْمَسَائِلِ ... وَلاَ تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ