بهذا شرط فإن قاله بدليل ثم رجح إلى قولٍ آخر، قاله بدليلٍ ومات على الثاني فالأول لا يعتبرُ مذهبًا له، وهذا ما يعبرُ عنه المذهب الشخصي بخلاف ما سلكه أرباب المذاهب الأربعة، فإنهم لا يعتبرون هذا لأنه هو الذي ينبغي أن يكون أصلاً أنه ما ثبت أن الإمام رجع عن هذا القول وقال بقولٍ آخر بدليل ومات قائلاً بالقول الثاني وجب أن يكون القول الثاني هو المذهب له، والأول لا ينسب إليه، هذا الأصل، حينئذٍ إذا نُظِرَ في هذا التعليل وهذه الكيفية لتحقيق معنى المذهب حينئذٍ لا يُنسب لأبي حنيفة مثلاً أبو مالك أو الشافعي أو أحمد قولاً قد ثبت أنه رجع عنه، وهذا المراد به المذهب الشخصي، وأما المذهب الاصطلاحي هو أشبه ما يكون شيء تعلق به المتأخرون من أجل تنظيم المذهب السابق الذي يعتبر مذهبًا شخصيًّا للإمام نفسه، يعني ينظر في القولين ومن أن يقال بأنه رجع إلى القول الثاني أو لا، مجرد حكاية قولين أو ثلاثة أو أربعة عن الإمام، ينظرون فيها بالقواعد التي أخذوها من طريقة ومنهج الإمام نفسه، حينئذٍ قد يرجحون المذهب الذي قد ثبت أنه رجع عنه ويجعلونه مذهبًا يُفتى به، ولذلك نسمية مذهب اصطلاحيًّا لا شخصيًّا، وفرق بين النوعين، إذا يحل أن نقول الإمام أحمد يقول كذا وهو قد رجع عنه، تكذب عليه أنت، لكن إذا قيل المراد به المذهب الاصطلاحي فلا إشكال، إذًا (عَنْ مَذْهَبِ) المذهب المرادُ به ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلاً به. قاله قول، مجتهد لا بد أن يكون من أهل الاجتهاد والنظر، أما العامي ونحوه لا، بدليل فإن قاله لا بدليل لا يدخلُ معنا، ومات قائلاً به، هذا احتراز إذا هذه كلها قيود. (عَنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ) مذهب مضاف الإمام مضاف إليه [نعم] (الإمام) نقول: يجمع على أئمة، (مَذْهَبِ) مضاف و (الإِمَامِ) مضاف إليه، و (الإمام) يجمع على أئمة، ويقال أيِمة بالتخفيف، والأصل أئمة بتحقيق الهمزتين، وعلى إمام يعني له جمعان، إمامٌ وهو مفرد وإمامٌ وهو جمع، وإمامٌ مفرد وأئمة هذا جمع ولا إشكال في النوعين، ويستعمل مفردًا وجمعًا ومنه {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فإمام يراد به المفرد ويراد به الجمع، وحينئذٍ القرينة والسياق هي التي تعين المراد وهل المراد هنا الجمع أو المفرد؟ المفرد لأنه أراد أن يبين مذهب زيد الْفَرَضِي، (عن مذهب الإمام) الإمام فِعَالْ بمعنى مفعول، والمرادُ به هنا المؤتمُّ به والمقتدى به، ولذلك صَلُحَ أن يكون إمامًا لأنه لا يُطلق لفظُ الإمام إلا لمن كان أهلاً للاقتداء كان أهلاً للاهتداء.
فالإمام أي الذي يقتدى به، وقيل المقدم على غيره، والقدوة والمؤتمُّ به كلها معانٍ متقاربة والمعنى واضحٌ بيِّن.