خامسًا: سلامة هذا القول من التناقض عند التطبيق، فهو قول مضبط لا تناقض فيه ولا غموض ولا إشكال، وأما من ورّث الإخوة مع الجد فعندهم اضطراب لا يعلمه إلا الله، سيأتي معنا وخاصة في باب المعادّة أنهم يفرضون أشياء للجد من حيث الثلث الباقي ولم يأت نص بثلث الباقي أو الثلث كاملاً أو أنه بالمقاسمة أو أن الإخوة لأب يُوَرِّثُون الأشقاء معهم أو بالعكس الإخوة الأشقاء يورثون الإخوة لأب معهم ثم يرجعون إليهم، فيقول: أنتم محجوبون كما سيأتي في المعادة، على كلٍّ: كل باب الجدّ والإخوة فيه اضطراب وفيه غموض وفيه إشكالات لا جواب عليها البتة إلا من حيث التعليلات وأكثرها تعليلات واهية لأن مبناها على الاستنباط. إذًا سلامته من التناقض عند التطبيق فهو قول مضبط لا تناقض فيه ولا غموض ولا إشكال، ولا يُشكل على هذا أن المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة على هذا، العبرة بماذا؟ العبرة بأي شيء؟ بالدليل، وإذا كان جمهور الصحابة على هذا لا يكون في قلبك شيء، وهذه تجعلها مع مسألة حكم تارك الصلاة، إذا كان جمهور الصحابة كما قال البخاري: لم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكر والصحابة متوافرون فحدث خلافًا بعد أبي بكر وبعد إجماع الصحابة، حينئذٍ هذا الخلاف لا عبرة به، ولو كان الأئمة الثلاثة وجماهير، بل لو كان الأئمة الأربعة وجمهورهم يعني أتباعهم على قول وهو مخالف لما صح عن الصحابة وقاومه الدليل أو وافقه الدليل حينئذٍ لا تأخذ بنفسك شيء البتة، وما يدعيه بعض المتأخرين بأن هذا مذهب جمهور الصحابة بأن توريث الإخوة مع الجد هذه دعوى لا يلتفت إليها.
سادسًا: سبق في التعصيب أن العصبة بالنفس إذا تعددت فيقدم جهة البنوة، ثم جهة الأبوة فيدخل فيها الجد، ثم جهة الإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء. فلا ينتقل الإرث إلى الجهة أخرى حتى تعدم الجهة التي قبلها، هذا كما سبق في بابه التعصيب، والحجة في الدليل الأول والثاني بأن الجد يسمى في الشرع أبًّا حقيقة فحينئذٍ ينزل منزلته في جميع الأحكام إرثًا وحجبًا، وثانيًا حديث «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر». ولا شك أن الجدّ أولى من الأخ حينئذٍ يعطى المال.
إذًا حاصل المذهبين هو ترجيح المذهب الأول: وهو أن الإخوة لا يرثون مع الجد، وأن الجد يحجبهم، ولكن نمشي مع ما ذكره الناظم من أجل أمرين:
أولاً: تتميم الكتاب ولا نشطحُهُ.
ثانيًا: من أجل التأكد من ضعف هذا القول، لأنك ستجد أنه ثَمَّ حصر لبعض الصور وادّعاء تأصيل ليس عليه دليل، يعني يقولون الأصل كذا في هذه المسألة، والأصل كذا وضابط هذه الصور كذا .. إلى آخره، ما الدليل على هذا الضابط؟ نحتاج إلى قول من الرب جل وعلا أو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع وليس ثَمَّ هذا ولا ذاك، ولذلك يتأكد من دراسة هذا الباب على ترجيح القول الأول وأن ما فيه من اضطراب يجعل في النفس من قبوله شيء.