قابل قول الخوارج والمعتزلة أقوال المرجئة، أي: أن أقوال الوعيدية كما يسميها السلف -وهم: الخوارج والمعتزلة- قابلها في باب الأسماء والأحكام ومسمى الإيمان أقوال المرجئة.
والمرجئة طوائف، حتى ذكر الأشعري في مقالاته أنهم ثنتا عشرة طائفة، وإن كانوا قد يرتبون على أكثر من هذا.
وهؤلاء المرجئة فيهم غلاة كـ الجهم بن صفوان الذي يقول: إن الإيمان المعرفة.
وكـ أبي الحسين الصالحي وبشر بن غياث وأمثالهم، وفيهم المتوسطون، وفيهم المقاربون للسلف من الفقهاء، وهم الذي عرفوا بمرجئة الفقهاء، وهؤلاء قوم من فقهاء الكوفة كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصول والتلقي، ولكنهم انحرفوا في مسألة الإيمان.
ومما ينبه إليه هنا: أن الناظر في مسائل أصول الدين التي تنازع فيها المسلمون يجد أن مسألة الصفات لم يشتبه القول فيها على أحد من المعروفين بالسنة والجماعة، وكذلك مسألة القدر في الجملة، إلا ما وقع من بعض رجال الحديث، ثم انتهى أمره في الغالب.
ولكن المسألة التي حصل فيها اضطراب عند قوم ممن عرفوا بالسنة والجماعة، ثم شاع ذلك في الفقهاء الذين ينتحلون مذهب السلف في أصول الدين، هي: مسألة الأسماء والأحكام ومسمى الإيمان؛ فإن حماد بن أبي سليمان لم يقع له غلط في مسائل الصفات، بل ولا في مسائل القدر، وإنما توهم في مسألة الإيمان، فأخرج العمل عن مسمى الإيمان لظواهر بعض الآيات، كقوله تعالى كثيراً في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:277].
فجعل هذا التفريق دليلاً على أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان؛ فهذا الإشكال وأمثاله أوجب عند كثير من الفقهاء في تقرير مسائل التكفير والردة اضطراباً شديداً.
حتى إننا نجد أن من أصحاب المذهب الواحد من الفقهاء من يحكون عن إمامهم القولين المتناقضين، فنجد بعض الحنابلة -مثلاً- يحكى عن أحمد من التكفير ما يحكي بعض الحنابلة عن أحمد نقيضه، فقد قال بعض الحنابلة: إن الإمام أحمد يذهب إلى تكفير أهل البدع.
وقالت طائفة من الحنابلة: إن الإمام أحمد لا يرى تكفير أهل البدع، بل يراهم من أهل الفسق.
مع أن هذا الإطلاق وهذا الإطلاق لم يتكلم به لا الإمام أحمد ولا غيره من أئمة السلف، بل كانت طريقتهم في هذا طريقة التفصيل، فقد أجمع السلف على كفر طوائف كغلاة الشيعة المؤلهة لـ علي وأمثال ذلك، وغلاة الجهمية المنكرة لأسماء الرب وصفاته، وكغلاة القدرية المنكرة للعلم، وترددوا في طوائف واختلفوا، وأجمعوا على عدم كفر بعض الطوائف، مع أنها تعد عندهم من طوائف أهل البدع.
وظهر ما يقابل القول في القدر، وهو القول بالجبر، وقد ظهرت مقالة الجبرية على يد الجهم بن صفوان، فتكلم بأن العباد مجبورون على أفعالهم، فكان هذا نقيضاً لمذهب القدرية، فصارت كل بدعة تظهر يقابلها بدعة أخرى.
والمحصل من هذا الخلاف التاريخي: أنه قد انقرض عصر الصحابة وانتهى ولم تظهر بدعة في أسماء الرب وصفاته.