من جِهَة الْجِنّ لِأَن أَمر الكهانة كَانَ فِي الْعَرَب مستفيضاً حِينَئِذٍ حَتَّى كَانَ الرجل مِنْهُم يَقُول: أَخْبرنِي رئيي بِكَذَا وَلفُلَان رئي. قَالَ القَاضِي عِيَاض:
" قَوْله: لقد خشيت على نَفسِي، لَيْسَ بِمَعْنى الشَّك فِيمَا آتَاهُ الله، لكنه عساه خشِي أَن لَا يقوى على مقاومة هَذَا الْأَمر، وَلَا يقدر على حمل أعباء الْوَحْي، فتزهق نَفسه، أَو ينخلع قلبه، لشدَّة مَا لقِيه أَولا عِنْد لِقَاء الْملك، أَو يكون قَوْله هَذَا لأوّل مَا رأى التباشير فِي النّوم واليقظة وَسمع الصَّوْت قبل لِقَاء المللك وَتحقّق رِسَالَة ربه فَيكون مَا خَافَ أَولا أَن يكون من الشَّيْطَان، فَأَما مُنْذُ جَاءَهُ الْملك برسالة ربه فَلَا يجوز عَلَيْهِ الشَّك فِيهِ، وَلَا يخْشَى من تسلط الشَّيْطَان عَلَيْهِ - قَالَ -: وعَلى هَذَا الطَّرِيق يحمل كل مَا ورد من مثل هَذَا فِي حدي المبعث ". قَالَ السُّهيْلي: " تكلم الْعلمَاء فِي (معنى) هَذِه الخشية وَأَنَّهَا كَانَت مِنْهُ قبل أَن يحصل لَهُ الْعلم بِأَن الَّذِي جَاءَهُ ملك من عِنْد الله، وَكَانَ أشق شَيْء عَلَيْهِ أَن يُقَال عَنهُ مَجْنُون ".