وتبرؤه مِنْهُ وإقباله على التحنث - وَهُوَ فعل الْبر - والقرب وَذكرهَا ذَلِك من حَاله يدل وَيُشِير إِشَارَة غَلَبَة ظن أَنه كَانَ يفعل من الصَّلَاة والصمت والإمساك نَهَارا عَن الطَّعَام بِحَسب مَا يرى فِي مَنَامه من ذَلِك احتذاء بِمَا يُشَاهد إِلَى أَن جَاءَهُ الْملك، فَجَمِيع مَا ذكرته ترشيح لَهُ وتوطئة لنَفسِهِ الْكَرِيمَة، ورياضة لإتيان الْملك، وَلَا بُد أَن يظْهر لَهُ من الْآيَات الْخَاصَّة بِهِ مَا يفرق بمعرفته بَين لمة الْملك وَغَيره.
قَوْلهَا: " فَجَاءَهُ الْملك ":
يَعْنِي جِبْرِيل صرح بذلك فِي غير هَذِه الرِّوَايَة.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الله بن أبي سُفْيَان بن الْعَلَاء بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ - وَكَانَ وَاعِيَة - عَن بعض أهل الْعلم:
" أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حِين أَرَادَ الله كرامته وابتدأه بِالنُّبُوَّةِ كَانَ إِذا خرج لِحَاجَتِهِ أبعد حَتَّى يحسر عَنهُ الثَّوْب، ويفضي إِلَى شعاب مَكَّة وبطون أَوديتهَا فَلَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، فيلتفت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حوله عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَخَلفه فَلَا يرى إِلَّا الشّجر وَالْحِجَارَة، فَمَكثَ كَذَلِك يرى وَيسمع مَا شَاءَ الله أَن يمْكث، ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل بِمَا جَاءَهُ من كَرَامَة الله وَهُوَ بحراء فِي رَمَضَان ".