اقتنع بان استبداد هذا الحاكم مع غضبه عليه مما يقيد حريته في الفتوى وُيعرضه للامتحان. فلما انكسر عاد إلى الفتوى لا شماتة ولا انشراحًا. ولكنه أمن على نشر دين الله حسب علمه وما يصل إليه نظره. إذ لا صلة بين الشماتة والعود إلى التدريس. فالامتناع من التدريس كان لسبب: هو السطوة والظلم تبعًا للحكم المطلق. فلما انكسر تميم ورأى بعينيه عاقبة ما جنت يداه خفت حدته، وأخزي، وعرف نفسه أنه:
أسد علي وفي الحروب نعامة
فالحجوي قد تعجل في التسوية بين العالم المضطهد المغلوب على أمره غير الآمن من دسائس العيون المرصودة حوله. وبين الحاكم الطاغي الظالم. ألا وإن النبلاء يحل بالشعوب إذا ذهب العدل وأبغض الناس حكامهم. وأبغضهم الحكام. فتنتهي الدولة كلها إلى الزوال. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلًا في هذا الكون.
أثر هذه القصة
سقت هذه القصة لأنها أعطتني ضوءًا كشف لي عن الأمر الذي قد يكون هو السبب في أن المازري على علو كعبه في العلم، وتفرده بالإمامة بعد شيوخه، لم يتول الخطط والمناصب والعمل مع الحكام. فما شاهده من فتنة شيخه عبد الحميد الذي كان يعرف قدره ومكانته في العلم وطهارة خلقه، وما كانت تجري عليه الأمور من أن أشد الناس خوفًا من السلطان الجائر هم أقرب الناس إليه، ولذلك في نظري نجا الإِمام المازري بعلمه وبكرامته. وأمكنه أن يواصل مهمته التي نذر نفسه لها، وهي بث العلم. وتحقيق المسائل. وتكوين الطلاب. هذه المهام التي كثيرًا ما أشار إليها في كتابه هذا.
هل يمكن تعيين شيوخ المازري؟
ما سبق في هذا البحث يكشف بجلاء أن المازري في كتابه هذا ما كان
معنيًا بذكر الحوادث التي اضطرب بها عصره. كما أنه لا يعير كبير اهتمام لضبط
أسماء شيوخه الذين أخذ عنهم. كما أن عدد هؤلاء الذين وصله عن طريقهم