السند العلمي وأثروا في تكوينه، عددهم كثار. ولذا فإني أرى أن عرق جبين بعض من كتب عن المازري في فرض الفروض، والترجيح بينها، واستبعاد أن لا يكون المازري أخذ عن فلان أو عن فلان لأنه كان من أعلام العصر عند تلقيه للعلم، كل ذلك في نظري تعسف ورجم بالغيب وتحميل للظواهر ما لا تتحمل وكد للذهن فيما لا يفيد. لأن المهم ليس هو التلقي والأخذ ولكن المهم هو التأثر الحاصل من امتداد شخصية الملقى في المتلقي. وهذا ما نجده واضحًا في تأثره باللخمي في طريقته التأليفية في التبصرة من حصر الموضوع بالأسئلة ثم الإجابة عما أثاره واحدًا واحدًا، وهي طريقة مبتكرة في المنهج القيرواني تختلف عن طريقة السؤال والجواب التي جرت عليها المدونة، تأثر بها المازري لما وجد فيها من شحذ للذهن الذي هو المنهج العلمي الصحيح، الذي يقوم على أن كل حل هو مفض إلى إشكالات جديدة وراءه، تدعو الناظر إلى التأمل ومواصلة البحث.
كما أن إثارة الصعوبة على شكل سؤال يبعث في الذهن نشاطًا، يكون به أقدر على التغلب على الصعوبة، ثم على ترسخ الإجابة في الحافظة، وانفلاتها من الغفلة التي تلقي بظلالها فتحجب الذهن عن التفاعل معها.
كما أن شيخه عبد الحميد قد أثر فيه. في دقة النظر، وربط الفروع بالأصول. وإذا كنا لا نستطيع أن نجلي هذا التأثر بصفة تفصيلية. لأن آثار شيخه قد ذهبت فيما ذهبت من ثروة نتاج الفكر الإِسلامي، إلا أن الإشارات التي وردت في أثناء هذا الكتاب تدلنا إجمالًا على ذلك.
تلاميذ المازري.
انتصب المازري للتدريس صغيرًا: يقول في القراءة في الوتر: وقد كنت في سن الحداثة وعمري عشرون عامًا وقع في نفسي أن القراءة في الشفع لا يستحب تعيينها. إذا كانت عقب تهجد بالليل. وإنما الاستحباب يتوجه في حق من اقتصر على شفع الوتر. فأمرت من يصلي التراويح في رمضان أن يوتر عقيب فراغه من عدد الإشفاع ويأتي بجميع مقروءاته بالحزب الذي يقوم به فيه ويوتر