المازري في الأصول كان لا يخفى عليه ما استتر على اللخمي.
السبب الثاني: أن اللخمي كان مغرى بتخريج الأقوال. والترجيح بين الآراء ثم الإعلان عما يتحصل عنده لنباهة واضحة عند التأمل في الاتجاهات والأقوال ولشجاعة بينة في إعلانه بذلك.
ومن أمثلة تعقيبه على شيخه ما رآه شيخه عبد الحميد أن أثر الاختلاف في اعتبار تكبيرة الإحرام في الصلاة ركنًا أو شرطًا، فساد الصلاة أو صحتها إذا نظر المأموم لعورة إمامه عند تكبيرة الإحرام. يقول: وكان شيخنا أبو محمَّد عبد الحميد رحمه الله يرى أن فائدة الخلاف في ذلك ما ذكره سحنون من أن الناظر إلى عورة إمامه في صلاته تعمدًا، أن صلاته تبطل. فإذا قيل إن تكبيرة الإحرام من نفس الصلاة، بطلت صلاة الناظر إلى عورة إمامه في حين إحرامه. وإن قيل. ليست من نفس الصلاة لم تبطل صلاته. والذي عندي أن فائدة الخلاف في ذلك صحة تقديم الإحرام على وقت العبادة. فمن رأى الإحرام من نفس العبادة اشترط في صحة إيقاعه الوقت كما يشترطه في سائر أجزاء العبادة (?).
فتنة الشيخ عبد الحميد الصائغ:
ذكر عياض أن المعز بن باديس لما أراد تولية ابن شعلان قضاء المهدية اشترط عليه ابن شعلان أن لا يتقلد ذلك إلا إذا شد عضده بالشيخ عبد الحميد ليقوم بالفتوى. إذ لا يرى استفتاء أحد من فقهائها لأمور نقمها عليهم. فأسندت له الفتوى وانتقل إلى المهدية. فلما شغبت سوسة على ابنه تميم قبض على جماعة فيهم ولد عبد الحميد فضربه، وأغرمه ستمائة دينار باع فيها عبد الحميد كتبه. وكان سبب انقباض عبد الحميد عن الفتيا، فلقيه بعد ذلك تميم واعتذر إليه، فلم ينفعه، ولزم الانقباض ولزم داره، وأظهر التجاؤر، ولم ينتفع به في شيء. وجعل لا يجالس أحدًا، وتحيل في الخروج إلى سوسة لعلة المعاناة، لحسن هوائها. فبقي على حالته تلك ستة أعوام إلى أن دخل الإفرنج المهدية، واستباحوا أهلها. ودخلوا قصر صاحبها. وذلك سنة ثمانين، فانكسر بعد ذلك تميم، وفل غربه، وهان على الناس وداراهم، فظهر عبد الحميد، وراجع حالته