وقد عورض بما وقع في الرواية من كون المرتهن بالخيار، إذا استُحِق الرهن من يديه، بين أن يُمضيَ البيع من غير رهن، أو يفسخ البيع ويأخذ سلعته إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة. فإن هذا قد يوقع فيما لا يجوز فعله، لأنه إذا كانت السلعة قد فاتت وخيِّر بين إمضاء بيعه فيها، وقد باعها بعشرة دنانير، وأخْذ قيمتها، وقيمتُها ثمانية دنانير. فقد يكون سبق إلى نفسه اختيار أخذ القيمة، وهي ثمانية دنانير، ففسخ ذلك في عشرة دنانير يأخذها إلى أجل، وهذا لا يجوز. لكنه قد تقرر أيضًا أنه اختار أخذ الثمن، وهو عشرة دنانير مؤجلة، فعدل عنها إلى أن أخذ ثمانية، فصار ذلك ممنوعًا أيضًا من جهة أنه أخذ عن دين مؤجّل أقل منه نقدًا، وضعْ وتعجلْ يمنع. فإذا كان هذا التقدير يدور في الصرفين جميعًا فيوقِع في ممنوع منه فيهما جميعًا، ولا مَعْدل لهم عن أحدهما وجب أن يُسامَح في أن يَخْتار ما شاء منهما، لكونه لا معْدل له عنه، كمن باع عبدًا فأبق من يد مشتريه، وأفلس المشتري، فإن للبائع طلب الآبق، مع قدرته على أخذ الحصاص مع الغرماء، فكأنه كمشتري آبق بما ترك من الثمن. وكذلك لو اختار المحاصّة، وهو قادر على طلب الآبق، فكأنه باع الآبق بما يجب له في المحاصة في تمكينه من طلب الآبق لأجْل ما نبهنا عليه من طريق المنع من ذلك. وقد نبهنا في كتاب التفليس على هذا، وفيما تقدم من كتاب البيوع على هذا الأصل في من خيّر بين شيئين: عدو له عن أحدهما إلى الآخر لا يجوز على مقتضى الأصل بما يغني عن بسطه ها هنا، وذكرنا أن من ملَك أن يملِك هل يعدّ مالكًا أم لا, وهذا الاضطراب يستند إلى الأصل.
قال القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب رحمه الله تعالى ورضي عنه:
وضمان الرهن من مرتهِنه إن كان مما يغاب عليه، إلا أن يقوم بهلاكه بينة. وإن كان مما لا يغاب عليه، كالعقار والحيوان، فضمانه من مرتهنه (?) وكذلك إن كان على يد أمين.