فالجواب عن السؤال الأول أن يقال:
اختلف الناس في لزوم الرهن بالقول دون القبض:
فذهب مالك رحمه الله أن الرهن يلزم بالقول ولا يفتقر كونه عقدًا لازمًا إلى القبض.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يلزم بمجرد القول، ولا يجبر الراهن على دفع الرهن إن امتنع من ذلك.
ومذهبنا أنه يجبر على دفع الرهن، لكونه عندنا يلزم بمجرد القول كما يلزم البيع بمجرد القول، ويجبر البائع على دفع ما باع إذا قبض الثمن، وإن لم يقبضه جرى ذلك على تقدم ذكره في كتاب البيوع، لما ذكرنا الحكم فيمن يجبر على الدفع: هل البائع يدفع المبيع ثم يأخذ الثمن أو المشتري يدفع الثمن ثم يأخذ المبيع؟
وهذا الاختلاف مبني على ما اشتهر من الخلاف في الهبة: هل تلزم بمجرد القول، ويجبر الواهب على دفع الهبة أم لا؟
فعند أبي حنيفة والشافعي أن الواهب لا يجبر على دفع ما وهب ولا تلزم الهبة بمجرد القول.
وعندنا أنها تلزم بمجر القول، وكذلك الرهن. وقد حكى ابن خويز منداد رواية شاذة في كون الهبة لا تلزم بمجرد القول.
وأشار بعض أشياخي إلى تخريج ذلك من مسألة المدونة فيمن (عار رجل) (?) أرضًا ليبني فيها أو يغرس، ثم أراد أن يُخرجه لما بني وغرس فإنه يمكّن من ذلك إذا أعطاءه ما أنفق، ولم يكن ضربًا أجلًا لهذه العطية.
وبعض أشياخي مَنَعَ هذا التخريج. وهذا يبسط في موضعه إن شاء الله