بعينها، وقد ذكر الرهن والمداينة، أَوْلَى من التعلق بكلام لم تختص به المسألة هذا سبب الاختلاف من جهة الظواهر.
وأما من جهة الاعتبار فإن الشافعي يقول: إنما يتصور في النفس حقيقة الرهن بأن يكون رهنًا بحق استقر في الذمة، وأما رهْن بغير شيء ولا بحق فلا يُقبل، ولا يتصور فيه كونه رهنًا.
وهذا يضطر إلى أنّ الراهن من حقّه أن يكون متأخرًا عن ثبوت الحق، أو مقارنًا له، لأجل الحاجة والضرورة الداعية إلى اشتراط الرهن في العقود كما نبهنا عليه. وأيضًا فإن الظاهر من القرآن أن الرهن أقيم مقام الشهادة، عند تعذر أخذ الشهادة، ليكون الرهن ثقة بالحق، ومانعًا من فواته والطلب به. ألا ترى قوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (?) والمراد أن الرهن يستوثق به في الحق كما يستوثق بالشهادة. وقد تقرر أن الشهادة لا تصح إن سبق (?) ثبوت الحق المشهود به، فكذلك الرهن الذي أقامه الله سبحانه مقامها، ألا ترى أن رجلًا لو قال لشاهدين: أَشهِدا عليَّ بأن فلانًا يُقرِضني بالغداة مائة دينار. فإن هذه الشهادة غير مستقلة ولا يقضي بها على المشهود عليه، (ولا يأمره بها) (?)، فصارت ملغاة مُطّرحة، فكذلك الرهن الذي أقيم مقامها إذا تقدم عقدَ السلف أو البيع لم يكن رهنًا، كما لم تكن الشهادة التي ذكرنا شهادة ينتفع بها.
وأصحابنا يجيبون عن ذلك بأن الرهن السابق، الذي ذكرنا مثاله، كأنه انعقد إنعقادًا مرقبًا، فإن صح السلف بالغداة كان ذلك المذكور بالأمس رهنًا، وخيِر القائلُ لذلك على تسليمه لمن أسلفه، ولمن باعه منه. لكنه لم يستقرّ كونه