وسبب هذا الاختلاف التنازع في ظواهرَ وأقيسةٍ.
فأما الظواهر فإن الشافعي يقول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (?) إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وقوله تعالى: "تداينتم" صيغته صيغة الأفعالُ الماضية، لكنه لما دخل عليه حرف الشرط صيّرة للاستقبال. لكن وإن صيّره ذلك للاستقبال فإن ما عُلِّق به بحرف التعقيب إنما يكون بعد حصول الفعل، وبعقِبِه, فذلك قوله تعالى " إذا تداينتم بدين" يعني في المستقبل يعني " فرهان مقبوضة" هذا الحرف، الذي هو الفاء، يقتضي أن الرهن يكون بعد وقوع المداينة، واقتضى هذا المنعَ من انعقاد الرهن قبل ثبوت الحق في الذمة.
وقابل ذلك أصحابنا بقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فعمَّ جميعَ الأحوال، ولم يشترط ها هنا كون هُذا الرهن المقبوض مقارنًا لثبوت الحق أو متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه. والشافعي يرى إن هذا عطف على ما تقدم، والمراد: وإن كنتم على سفر وقد تداينتم فلم تجدوا كاتبًا ولا شاهدًا فرهان مقبوضة.
ويقابل أصحابنا استدلاله هذا بالآية بقوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (?) لم يشترط فيه كونه سابقًا لثبوت الدين أو متأخرًا عنه أو مقارنًا له، فهو على عمومه.
وكذلك ظاهر لمحوله عليه السلام "المؤمنون عند شروطه" (?) فعم سائر الشروط، منها الرهبان السابقات (?) لعقد الييع واللاحقة له.
لكن الشافعي قد يرجح استدلاله بأن التعلق بظاهر كلامٍ يختص بالمسألة