شرح التلقين (صفحة 3054)

الأم، وقدّر أن النطفة كالبذر، والنماء في بطن الجارية كالنماء في بطن الأرض.

وقد ورد هذا السؤال إلى المهدية، وشيوخ الفتوى فيها متوافرون، فأفتى السُّلَمي، وهو اشهرهم وأفقههم مُنْذُ نحو ستين عاما، بأن الزرع لرب الأرض.

واحتج بما احتج به الداودي، وسطره في جوابه معتمدا عليه، وكأنه نسب هذه الحجة إليه، ووافقتُه أنا في الفتوى حينئذ باختيار هذا القول، وكان معنى الجواب الذي كتب في ذلك: أن الزرع إنما حدث من مجموع أمرين لو انفرد احدهما لم يكن هذا النماء: أحدهما الأرض، فإنها لا تُنبت من غير بذر، والآخرُ البذر، فإنه لا ينبُت في غير أرض، فكان مقتضى هذا الاشتراك أن يكون النماء الحادث مقسوما بينهما, ولكن لا يقفُ على حِدّ ما يكون عن كل واحد منهما من التنمية سوى الله سبحانه الذي خلقهما، وخلق ما يكون عنهما. فلما لم يعلم ذلك وجب إلحاق النماء بأرجحهما، فالأرض ها هنا مرجحة على البذر، لكونها مما لا يُزال بها ولا يُنتقل، والقمح المبذور في الأرض مما يُزال به ويُنتقل.

وقد منع أبو حنيفة تصور الغصب في العقار لهذه الغلة. فكان إلحاق النماء بالأرض أولى، مع كون تنميتها للنبت ليس بظلم ولا حرام، وتنمية البذر ظلم وحرام، والحلال أرجح من الحرام. وقد قيل: إن الأرض قابضة لما فيها، وصاحب البذر لما أودعه الأرضَ زَالَ قبضه عنه، وبقيت الأرض هي القابضة، وقبضها قبض لصاحبها، فكان إضافة هذه التنمية إليها أولى، مع أن سبحانه نبه على علة شرع القصاص مِمّن قتل آخذه (?) ظلما فقال تعالى {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (?) والمراد به ما كانت الجاهلية تعبر عنه بعبارة ظهر فَصَاحةُ القرآن فيها وعلوُّها عنها، وكانت تقول "القتل أنس للقتل" ويعني بذلك أن القاتل إذا لم يُقتل بمن قتله استبيحت الدماء، وتفانى الناس بالقتل, لأن كل من علم أنه لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015