يُقتل إذا قتل تكرر منه القتل، وإذا علم أنه يُقتل كفّ عن القتل، فأنزل الله هذا المعنى بلفظ بليغ لا يُلْحَق فقال: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (?) يريد أن القاتل إذا اقتص منه حفظت حياة بني آدم، فكأن القصاص صار لهم حياةً. ثم فيها تنمية (?) على العدل، وهو قوله "القصاص" والقصاص إشارة إلى العدل، فورد هذا المعنى في القرآن بلفظين وهما القصاص حياة، من غير تكرير، واوردته العرب بثلاثة ألفاظ، وفيها التكرير، وليس فيها إشارة للعدل، وإذا نبه صاحب الشرع على أن القصاص إنما شرعه لصيانة الدماء، فكذلك يجب أن يكون الزرع لصاحب الأرض المغصوبة، صيانة للأموال والأرَضين عن أن تغصب. وحرمة المال يجب ان تصان كحرمة الدم.
وتعقبت استدلال الداودي بقياس الزرع على حمل الأَمَة, لأنه قد اتفق المذهب على أن من اشترى أرضًا فَزَرَعَهَا، فإن الزرع له. ولو اشترى أمة فاستولدها، فإن الولد لمستحقها, ولكن لا يسترقّه لحُرمة الحرية فيه، بل يأخذ قيمتَه. فإذا افترق الحكمان في الأمة والزرع، فيما كان بوجه شبهة، فكذلك يفترقاد فيما كان على وجه الغصب, لأن الولد من جنس أمّه، فهو كعضو منها يردّ معها، وإن كان استولدها بوجه شبهة، بخلاف الزرع الذي هو ليس بجنس الأرض المغصوبة.
هذا معنى الجواب الذي كان فرط منّى حين افتيت به قديما. فإذا وضع حكم الزراعة مع اعتقاد الإباحة، وثبوت الشبهة، وحكم الزراعة مع اعتقاد التحريم وارتفاع الشبهة، فإنه قد يعرض بين هذين ما يشكل هل هو من هذا الطرف أو من هذا الطرف مثلما في المستخرجة لابن القاسم في ارض ادعاها رجلان كل واحد منهما يدعيها لنفسه، فيأخذ أحدهما فيزرع فيها فُولًا، ثم بعد حين أتى خصمه فزرع فيها قمحا، فأبطل بذلك ما زرعه الأول من القول، فحكم فيها بعد ذلك