لكن أصحابنا وأصحاب الشافعي يقولون: إن البائع، وإن أسقط حقه في حبس السلعة، فإنا لم أقل (?): إنه أحق بها في الفلس من جهة أن له الرجوع عما أسقط، لكن من جهة أن عين المبيع قائمة، وما سواه من الغرماء قد فات ما باعوه، فيترجح عليهم يكون عين ما باعه قائمة، فلأجل هذا الترجيح قلنا: إنه أحق بعين سلعته.
وأما الرّهن فإنه لم يسبق له عليه ملك، ولا استحق عينه، فإذا أسقط حقه في كونه رهنًا لم يبق له بعد ذلك ما يترجح به في هذا الرهن على غيره من الغرماء.
وقابل أصحابنا وأصحاب الشافعي هذا القياس بأن قالوا: إن السيد إذا كاتب عبده فقد انتقل حق في عين العبد إلى معاوضة في ذمة العبد، فإذا عجز المكاتب عن الأداء رجع السيد في العين التي باعها منه، وهي رقبة (?)، فالمكاتب كثمن السلعة وعجْز المكاتب عن الأداء كفلس المشترى وعجزه عن
الثمن.
وهذا، عندي، لهم أن يقولوا فيه بأن السيد لم ينتقل ملكه عن العبد لأجل الكتابة، ألا تراه من حقه أن يمنعه من السلف وإتلاف ماله وفعل ما يعيب رقبة؟ (2) وهذا يشعر بأن ملكه لم ينتقل عنه، ومشتري السلعة له أن يبيعها ويتصرف فيها كما يتصرف في سائر ملكه، فلهذا لا يكون للبائع أن ينقض هذا الملك المستقر. فإن كان هذا الرجل قدم القياس على الخبر الذي ذكرناه فهذا الجواب عنه، مع أنّا ننقل المسألة إلى ما أمليناه في أصول الفقه من كون الخبر يجب أن يقدم على القياس، فهذا طريقةٌ في الاعتذار عنه.