والطريقة الثانية رد الخبر من جهة احتمالٍ فيه لا من جهة تقدمة قياسٍ عليه، وذلك أن أصحاب أبي حنيفة يقولون (?): عليه السلام: "فصاحب المتاع أولى بمتاعه إذا وجده بعينه" محمول على أن المتاع كان وديعة عند هذا المفلس، أو عارية، أو غصب لمالكه، فإذا احتمل هذا، وأمكن أن يراد بالحديث، لم تكن فيه حجة على أن بائع السلعة أحق بعينها إذا فلس المشتري، لأن الوديعة والعارية ملك صاحبها لم ينتقل عنها، والسلعة المبيعة قد انتقل ملكه عنها. ويرجحون تأويلهم هذا بأنه قال: "فوجد متاعه بعينه" فهذه الإضافة أنها لا (?) تكون إضافة على الحقيقة لا على المجاز إذا كان المراد بالحديث متاعه الذي أودعه أو أعاره لأن ذلك متاع المودع والمعير، ولا يقال: إنه متاع المودَع والمستعير، والكلام يجب حمله على الحقائق.
ولنا عنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنا ذكرنا أن في بعض طرق هذا الحديث "فوجد البائع متاعه" وهذا كالنص الذي يبطل تأويلهم.
فإن قالوا: معنى البائع ها هنا المساوم الذي لم يقبل البيع، وهو يسمى بائعًا على المجاز، فلا يُنْكرَ حمْل هذا اللفظ على المجاز كما حملتم أنتم قوله "متاعه" على المجاز، وأن معناه الذي كان متاعًا لمن باعه، لأن تجارهم لا يثمر فائدة لِما استقر من علم عند كل أحد أن من ساوم سلعة ولم ينفذ فيها بيعًا فإنه أحق بهالأوليس للمشتري المساوم فيها حق بإجماع، كما أيضًا أن هذا أحد الأجوبة عن قولهم المراد بقوله: "متاعه" أودعه أو أعاره؛ لأنه لا يخفى عن عاقل أن من أودع وديعة أو أعار عارية أحق بوديعته من غرماء المودَع عنده، وحمل كلام النبي عليه الصلاة والسلام على ما لا يفيد والعدول عما يفيد لا