وعلل ذلك ابن القاسم وأشهب أن الحكم برده إلى صاحبه من غير أن يغرم عوض الصنعة، كان ذلك ظلمًا للغاصب، وإن أغرم قيمة الصنعة كان ذلك تفاضل أبي ن ما فيه الربا، فيكون صاحب الشيء المغصوب كأنه دفع فضة ومعها أجرة الغاصب وأخذ عنها دراهم. قال أشهب: وليس ذلك مثل القمح يُغصب، فيصيّره الغاصب سويقًا مَلْتوتًا، هذا مما يجوز فيه التفاضل.
فأما ابن القاسم فإن طرد أصله في ذلك، وكان مذهبه يضاهي مذهب أبي حنيفة الذي يرى أن التغيرات على الشروط التي ذكرناها عنه، تصيّر الشيء المغصوب كالفائت المعدوم.
وأما أشهب فإنه ذكر أن من غصب قمحًا فطحنه دقيقًا، فإن لصاحب القمح أن يأخذه من غير أن يُلزم غرامةَ أجرة الطحن. قال في قمح غصبه الغاصب فلتَّه سويقًا أن الحكم فيه غرامة الغاصب القمح.
وهذا كأنه إن اعتبرنا مذهبه من ناحية ما قال في السويق صار كأنه يلاحظ مذهب أبي حنيفة، وإن اعتبرنا ما قاله في الدقيق يلاحظ مذهب الشافعي. وقد قدمنا أن أبا حنيفة يرى أن تغيّر العين لا يكون فوتًا فيها إلا بأن يفعل الغاصب فعلًا ينقل به الاسم ويبدله ويبدل أيضًا لمنفعة المقصودة، والمعنى المطلوب الذي خلق الشيء له، فيقول بأن الدقيق لا يسمى قمحًا وكذلك القمح لا يسمى دقيقًا إلا مجازًا واستعارة له اسم المال كما قال تعالى عن صاحب يوسف: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (?) فسمى العنب خمرًا لأنه يؤول إلى الخمر. وكذلك المنفعة المقصودة والمعنى الذي خلق الشيء له، والصورة والشكل، قد يتبدل كله، والقمح صورته غير صورة الدقيق، واسمه غير اسمه، والمعنى الذي خلق له، وهو احتكاره قوتًا، وزراعته في الأرض، لا يوجد ذلك في الدقيق. فلعل أشهب رأى أن هذه الأوصاف تحصل في السّويق، ولا تحصل في الدقيق،