فإن تغيرت فهاهنا يحسن الخلاف؛ لأن من حق صاحب الشيء المغصوب ألاّ يزال ملكه من يديه، وأفعال الغاصب كأنها من أملاكه فلا تزال أيضًا عن يده، فأي الأمرين يغلّب؟
رأى أبو حنيفة أن التغيير الذي يُذهب التسميةَ والمنفعة المقصودة، يحل محل ذهاب العين، فإنما يستحق على الغاصب البدل.
ورأى الشافعي أن ذهاب العين بالعلم يستحيل معه التملك، إذ المعدوم لا يُتملك، ولا يتصور تملكه للغاصب ولا للمغصوب منه، فلهذا أوجب البدل وانتقال الاسم والمنافع مع بقاء العين ومنافع يتعلق بها الغرض، ويقع التشاحّ فيها، يوجب سقوط ملك صاحب الشيء المغصوب، ونقل ملكه إلى ملك الغاصب، مع كون فعل الغاصب كالفرع والشيء المغصوب كالأصل، وهو الجوهر، وفعل الغاصب كالعرض، والتغليب يكون للأصل على الفرع، لا للفرع على الأصل، وللجواهر على الأعراض لا للأعراض على الجواهر.
وأما ضبط مذهبنا وما وقع فيه:
فإن المغصوب إذا كان مكيلًا أو موزونًا مما فيه الربا، كالذهب والفضة والقمح، فغصب الغاصب ذلك فصنع من الفضة التي غصبها حليّا أو دراهم، أو طحن القمح فرده دقيقًا. أو كان المكيل والموزون مما لا ربا فيه، كالنحاس والحديد والقطن، فغصب حديدًا أو نحاسًا فصنع منه آنية، أو نسج من القطن ثوبًا بعد أن غزله، فإن في ذلك أقوالًا على الجملة:
أحدها: أن الواجب فيه مثل الذي غصبه الغاصب، وتكون صنعته كالفوت لعينه.
والقول الآخر: ذلك لا يكون فوتًا للعين، ولا يمنع صاحب الشيء المغصوب من أن يأخذ عين ما غصب له، وإن غيّره الغاصب بما ذكرنا.
والقول الثالث: أن ذلك يكون مما فيه الربا فإن هذه الصنعة كالفوت فيه.