المغصوب يصيّره ملكًا للغاصب ويزيل ملك صاحبه ما أمر - صلى الله عليه وسلم - بصدقتها، بل كان يأمر بردّها إلى صاحبها الذي ذبحت بغير أمره، والصدقة بمال الغير لا تجوز إلا بوجه يستحق به ذلك عليه.
وهذا الاستدلال كأنه في نفس هذا الأصل المختلف فيه. والاستدلال بقوله "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" وبقوله: "لا يحل مال امرى مسلم إلا عن طيب نفس منه" استدلال بعمومات ليس المقصود منها بأن حكم هذا الأصل الذي نحن فيه. فكان التعلّق بهذا الخاص أوّلا (?) من التعلق بالعام.
وقد اختلفت معاذير أصحابنا وأصحاب الشافعي عن هذا الحديث. فقال بعضهم: إنه مرسل والعمل بالمراسيل فيه اختلاف بين الأصوليين. وهذا العذر إنما يقوله من لم يقل بالعمل بالمراسيل.
وأجاب آخرون بأن الشوى مما لا يبقى بل يتغير ويفسد إذا مر زمن تغيّره، فلهذا لم يأمر برده على صاحبه إذ لعله كان غائبًا.
وهذا أيضًا تأويل بعيد لأن الحكم في مثله أن يباع الطعام الذي يخشى فساده وصاحبه غائب عنه، ويوقف له الثمن فلا يتحقق هذا الحكم على ما استقر في الشريعة إلا أن يكون كسب صاحب هذا (?) الشاة خبيثًا، والكسب الخبيث يتصدق به وإن كره صاحبه.
وهذه تأويلات، وإن بعدت، فإنها من الممكنات ولكن ليس في سياق الأكبر ما يدل عليها. وجملة الأمران من غصب شيئًا فأتلف عينه كقصب غصبه ثم أحرقه، أو ثوب غصبه ثم أحرقه، أو عبد غصبه فقتله، فإنه لا يختلف ها هنا أن الواجب على الغاصب بدل ما غصب، المثل أو القيمة .. وإن كانت العين لم تذهب، ولا تغيرت في سوق ولا بدن، لم يختلف في أنه لا يجب عليه البدل.