الغاصب بأن يغرمه القيمة إذا شاء، فلا يُمنَع من إسقاط هذا الحقال في أباحت له الشّريعة طلبه ولم توجب ذلك عليه.
ولو وقع الصّلح في مثل هذه المسائل على الإنكار بأن يكون ادّعى رجل على رجل أنّه غصب له سلعة واستهلكها وأنكر المدّعى عليه أن يكون غصب له شيئًا، فإنّ جميع ما قدّمناه من التّفريع يعود ها هنا، لكوننا قدّمنا أن الصّلح على الإنكار، كالصّلح على الإقرار، فيما يحلّ ويحرم على المشهور من المذهب.
وقد أورد في كتاب الصّلح من المدوّنة فصلًا يتعلّق بشراء المراجع. وقد تقدّم ما يتعلّق به من الكلام في هذا الفصل. ويتأخّر أيضًا فيما يرد بعد هذا من الكتاب ما يتعلق الكلام به عليه. وهناك نبسطه إن شاء الله تعالى. لكنّا نذكر ما يتعلّق بما ذكره في هذا الكتاب. وذلك أنّه ذكر في كتاب الصّلح من المدوّنة أنّ من وهب جنين أمة لرجل ثمّ مات، فإنه ليس للورثة أن يشتروا منه جنين هذه الأمة ليستعجلوا التّصرّف في رقبة الأمة. بخلاف أن يسكن رجل رجلًا دارًا حياته، أو يهبه ثمر بستانه حياته، فإن للورثة ها هنا شراء ما وهب من سكنى أو ثمر، لأجل كونهم ممنوعين من التصرّف في الرّقاب لِمَا تعلّق بها من حقّ الموهوب له منافعها، فدعت هذه الضّرورة إلى أن يعفى لهم عن شراء هذه الهبة، وإن كانت جهولة لا يدري أمدها. ولم يجز ذلك لأجنبيّ يحاول شراءها لكونه يشتري أمرًا مجهولًا لا يدري منتهاه ولا مبلغه، من غير ضرورة دعته إلى ذلك، ولادعت البائع منه. والغرر قد يسامح به إذا دعت الضرورة إليه، ولحقت المشقّة في العدول عن ارتكابه. وها هنا بالورثة أشدّ ضرورة إلى شراء هذه الهبة ليتمكّنوا من بيع الرّقاب الّتي ورثوها, لكونهم يمنعون من بيعها لما تعلّق بها من حق الموهوب.
وقد أشار في المدوّنة إلى فروق بين محاولتهم شراء الجنين، ومحاولتهم شراء السكنى أو الثّمرة. فقال: إنّ الثمرة والسكنى ترجع إليهم، والجنين لا مرجع له إليهم. وأشار أيضًا إلى أنّ من اشترى نخلًا أو دارأواغتلّها بوجه شبهة ثمّ استُحِقّها، فإنّه لا تردّ الغلّة. ولو كان اشترى أمة فاستُحِقّت لردّ ولدها