ظن به الصدق، ما لمْ يعارضه خبر آخر، وهو قول المدعى عليه، والمدعي مُبطِل قولي مستغنى عنه طرحه الشرع في كونه حجة له، فلا يعارض به قول المدعي المحمول على الصدق، فيجب أن يرجح جانب المدعي في إجازة الصلح على الإنكار.
وهذا الذي أشار إليه يلاحظ ما قاله أصحاب مالك: إن الحائز إذا أقام بينة على أن ما في يديه ملكه، وأقام المدعى عليه بينة أنه ملكه، فإن بينة المدعي تسمع، لأن بينة المدعَى عليه مستغنى عّنها في الشرع بالحوز، فلا تعارض بينة المدعي الذي طالبه الشرع بها. وإنما ذكرنا هذا لكونه يلاحظ بعض ما قاله أصحابنا، لا على أنا نعتمد عليه في جواز الصلح على الإنكار.
وقد يستدل أيضًا من منع الصلح على الإنكار وجعله معاوضة عن دفع الشر والأذى بالخصام، فإن ذلك يمنع منبما كما يمنع من أخذ الرشوة على ترك السعاية لرجل مسلم إلى السلطان، أو صرف الأذى عنه، لأن بذل المال، على الكف عما يوجب الشرع أن يكف عنه أو على فعل ما يوجب الشرع فعله، لا يجوز. فكذلك الصلح على الإنكار هو بذل مال على الكف عن دعوى المدني للباطل والتحصن من ضرره وأذاه.
وهذا ينفصل عنه بأن الصلح على الإنكار معاوضة جائزة في حق المدعي في نفسه، وليست معاوضة في حق المدعى عليه، فآخذ المال يعتقد أنه ما أخذه إلا على وجه جائز، وهو دفع العوض عنه من دار ادعاها أو دين ادعى به. وآخذ الرشوة يعتقد أنه أخذها على ما لا يحل له فمنع من الأخذ على مقتضى قوله، ولم يمنع في صلح الإنكار؛ لأن الذي أخذه جائز له أخذه على قوله.
وقد احتج على أصحاب الشافعي بأن المعاوضة في الصلح على الإنكار أن يسلم لهم أنها لا تنصرف إلى معاوضة. مال بمال، فإنها تنصرف إلى شراء يمين ودفع خصام. ومن المصلحة للإنسان أن يفتدي بماله من ضرر يلحقه.
ولهذا افتدى عثمان وحذيفة بن اليمان مين يمين وجبت عليهما، وما ذلك إلا