صاروا إليها لأجل تغليب الجواز، وهو مقتضى قول المشهود عليه: إني لم أعتق. فيبقى جَائزًا، ولكن بمقتضى أنه حائز لعبده، والعبد تحت يده، واليد دليل الملك. وشهادة الشاهد عليه قد أسقطها الشرع واطرحها وأثبت حكم يده، فكان ما أثبته الشرع أوْلى بأن يرجح على ما أسقطه واطّرحه.
ولو شهد رجل آخر أنه أعتق عبده، وشهد المشهود عليه على الشاهد بأنه أعتق عبده، وكل مالك لعبده ينكر العتق، ثم تبايعا أحد العبدين بالآخر، فإنه لا يصح في جانب أحد هذين المتبايعين دعوى الجواز، بل كل واحد منهما يدعي المنع من المعاوضة التي فعلاها، ثم مع هذا تثبت المعاوضة، ثم يؤخذ كل واحد منهما بعد صحة العقد بمقتضى ما زعم من كون العبد لا يصح أن يملك. فالقضاء، ها هنا، بإمضاء العقد لجهة إسقاط الشرع قول الشاهد، وما أسقطه فهو كالعدم.
وقد اشترط بعض أصحاب مالك أن المشتري الذي شهد بالعتق لا يلزمه العتق إلا إذا تمادى على صدقه فيما شهد بة بعد أن ملك العبد بالشراء. وقدَّر أن قوله قبل أن يملكه لما اطرحه الشرع فكأنه لم يقله. وعلى هذا المذهب يتضح هذا التعليل الذي ذكرناه من اعتبار القول الذي رجحه الشرع دون القول الذي اطّرحه.
وقد قال بعض الناس في الاعتذار عن إمضاء هذه المعاوضة، بأن الذي يبذله الشاهد بالعتق إنما هو كالفداء للحر من يد من يسترقه. وهذا الاعتذار يتصور لو أعتقه المشتري وعلم أنه يعتق عليه وأن شراءه لا ينعقد فيه، فيصير ما بذله كالفداء للحر. وأما إن لم يكن الأمر كذلك فإنه لا يتحقق فيه معنى الفداء على الحقيقة. وإطلاق القول بأن جانب الجواز يغلب على جانب الاستحالة من غير ترجيح لا يصح لأنه يقتضي جواز معاملة الذمي بما يجوز في شرعه ولا يجوز في شرعنا تغليبًا لحكم الجواز. وهذا لم يقله أحد. وقد ناقض هذه الطريقة وهي ترجيح جانب الجائز بعض أصحاب أبي حنيفة بأن الحائز حجته حوزه ويده. وقوله في الشرع مستغنى عنه، لأن الحوز يكفيه، وقول المدعي ينبغي أن يحمل على الصدق، لأن المسلم إذا أخبر بخبر