لأن المال أعد للمصالح، ومن المصالح للإنسان بذله في أن يدفع عن نفسه ضررًا به. وقد قال الله تعالى: {صُلْحًا وَالصُّلْحُ} (?) وعموم هذا يقتضي جواز الصلح على الإنكار كإسقاط الحقوق والإبراء منها.
ويجيبون هم عن هذا، بأن الإبراء إذا لم يكن عن معاوضة فهو مما ينفرد به صاحب الحق، ولا يقف جوازه وفعله على اعتبار جانب مَن عليه الحق.
والصلح على الإنكار، وإن قذر كالإبراء والإسقاط، فإنه لم يقع إلا عن معاوضة، والمعاوضة لا تكون إلا من الجانبين جميعًا، وحقيقة المعاوضة تستحيل كما تقدم بيانه، وذكرُ ما قالوا في استحالتها.
وقد نوقض أصحاب الشافعي أيضًا بجواز خلع المرأة زوجها على مال، وما يأخذه الزوج ليس يبذل عنه عوضًا ماليًا ليحصل للمرأة.
وهم يجيبون عن هذا بأن المعاوضة على إسقاط الحق لا يطلق القول بجوازها عمومًا، لكن في مواضع دل عليها الدليل، ومن الحكمة والمصلحة أن يباح للمرأة بذل مال للتخلص ببذله من ضرر الزوج، وهو عشرفه التي تؤدي إلى سقمها وهلاكها، فلهذا جازت المعاوضة فيه على الإسقاط، ولا توجد مثل هذه الضرورة في الصلح على الإنكار.
وهذا ينتقض عليهم تعليلهم فيه بجواز بذل رجل أجنبي لرجل مالًا على أن يخلع زوجته من عصمته، مع كون هذا الباذل للمال لا ضرر يلحقه من بقاء الزوجة في عصمة الزوج، ثم مع هذا أجيز له بذل المال على إسقاط حق، فكذلك يجوز بذل المال للمدعَى عليه على إسقاط الطالب حقه في دعواه عليه.
ومن أهم ما يناقَضون به جواز صلح المتوسط، فإن الشافعي أطلق القول بجواز بذل رجل مالًا ليسقط رجل دعواه في مال على رجل آخر. وهذه معاوضة على الإسقاط للحقوق، فإذا جازت منْ أجنبي فجوازها من المطلوب بالدعوى أولى. وأصحاب الشافعي لا يسلمون أن مذهبه جواز صلح المتوسط على