ممن باع منه الرقبة. وقد كنا نحن أشرنا إلى ما قاله الطحاوي في منع الاستثناء لمنافع الدابة والدار، وإشارته ليس من هذا المعنى. ولو كان المبيع ثمرة أزهت على رؤوس النخل بيعت جزافًا، واستثنى البائع منها مكيلة هي مقدار ثلثها، فإن ذلك يجوز أيضًا ولو اشترط أخذهُ تمرًا، كما قدمناه. فإن هلك جميع الثمرة جرى الحكم فيها على حكم الجوائح، أنها توضع عن المشتري، ويكون الحكم فيها كما قدمناه في الصبرة إلا من جهة وضع الجوائح على حسب ما يوجبه الشرع.
ولو ضاع بعض الصبرة المبيعة لكان البائع هو المقدم فيما بقي، حتى يستوفي المكيلة التي استثناها، ويقدر كأنه إنما عقد على نفسه بيع ما سوى المكيلة التي استثناها، فلا يحصل للمشتري شيء إلا بعد تحصيل البائع ما استثناه. وقد قال بعض المتأخرين: هلا وجب أن يكون الباقي بين البائع والمشتري، كما يكون هلاك الجميع منهما، فكذلك ينبغي أن يكون الباقي بينهما على نسبة ما كان لكل واحد منهما؟ والانفصال عما قاله، ما أشرنا إليه من اعتبار المقصود في هذه العقود. وكأنهما تبايعا على أنه ما دام الطعام موجودًا أو بعضه، فإن البائع يقدم حقه فيه على حق المشتري.
وأما استثناء بعض الثمرة التي على رؤوس الشجر كيلا، فإن الجائحة إذا وقعت في بعض الثمر، فإن كانت الجائحة يسيرة مما لا يوضع عن المشتري من الثمر شيء لأجلها، فإنها تكون كالصبرة يقدم فيها حق البائع في استيفاء جميع المكيلة مما بقي منها, لكون ما ذهب كأنه لم يذهب إذ لم يوضع له من الثمن شيء. وأما إن ذهب منها ما يوجب للمشتري وضع شيء من الثمن لكونه أكثر من ثلث الثمرة، فإن ابن عبد الحكم روى عن مالك فيها روايتين: إحداهما أن البائع مقدم في استيفاء جميع المكيلة كما قلناه في الصبرة. والرواية الثانية عنه، وهي اختيار ابن عبد الحكم، أن البائع لا يقدم بجميع التسمية التي استثناها، لكون الشرع أثبت ها هنا حكم الوضع عن المشتري فيما طرأ من جائحة. فإذا وضع عنه من الثمن شيء وضع مما استثناه البائع شيء بمقدار ذلك، لأنه كالثمن وكالمشترَى.