كون المشتري يضمن ما اشتراه، فإنه اشتراها على الجزاف. وبالعقد يضمن الجزاف. ويختلف في اعتبار مضي قدر التمكين والتسليم. وهذا إذا تمكن المشتري من أخذ ما سوى المكيل الذي استثناه البائع فإنه يتحقق الضمان عليه.
وأما كون البائع لا يرجع على المشتري فيما استثناه منها، فإنه يصح على القول بأن المستثنى مبقى على ملك البائع. وأما على القول بأن المستثنى مشترى، وكأن البائع باع جميع الصبرة بدنانير وبمكيلة منها، فإنه يسبق إلى النفس أن المشتري يكون ضمان المستثنى منه لكونه قد باعه. ولكن هذا يسبق منه إلى النفس أيضًا فساد البيع لما يتصور فيه من كون العقد وقع على بيع طعام بطعام وذهب، وذلك ممنوع. وقد جعله بعض الناس حجة على من أجاز هذا الاستثناء وزعم أن المستثنى مشترى. لكن أصبغ ذهب إلى أن المستثنى مشتَرى فيمن باع دارًا واستثنى البائع سكناها سنة، فانهدمت الدار قبل استيفاء السكنى. فقال: يرجع بائع الدار على مشتريها بقيمة ما بطل من السكنى التي استثناها. ينسب ذلك من جميع الصفقة، ويرجع بمقداره من جملتها، كمن باع دارًا بدنانير وعروض فاستحق العرض فإنه يرجع بمقداره فيما باعه عينًا، أو قيمة، على حسب ما تقدم بيانه فيما مضى.
وقال ابن القاسم: لا يرجع البائغ على المشتري بقيمة السكنى، لم يشتره (?) البائع من مشتري الدار، وإنما أبقاها على ملكه، فلا مرجع له لما ذهب من ملكه على أحد، كما قلناه في ذهاب الصبرة التي استثنى البائع بعضها.
وسلم له أصبغ ما قال في الصبرة ولم يخالفه فيها، وإنما خالفه في استثناء منافع دابة أو سكنى دار. وفرق بينهما بأن الصبرة موجودة جميعها حين العقد، فيقدر المشتري قابضًا لما اشتراه. وكذلك يكون البائع كالقابض لما استثناه. وأما منافع الدار والدابة فإنها لم تخلق بعد فيعد مستثنيها قابضًا لها فيكون ضمانها منه، وإنما هي شيء يخلق في ملك البائع، فيقدر ما خلق في ملكه كأنه باعه