محمَّد: إن أصحابنا المحققين يحملون هذا الخلاف على اختلاف حالين، فيمنع في السفر إذا كان للجلد هناك قيمة، ويجوز إذا لم تكن له قيمة. وأشار ابن حبيب إلى منع هذا التأويل الذي قاله القاضي أبو محمَّد، وأجاز استثناء الجلد والأكارع حيث تكون لها قيمة. واعتل بأنه شراء شيء معين فلا يمنع على قوله هذا أن يكون اختلاف قول مالك في استثنائه في السفر يحمل على سفر يكون للجلد فيه قيمة. وإذا قلنا بجواز استثنائه، فإن المشتري للشاة لا يجبر على ذبحها، وإن دعا البائع إلى ذلك لحقّه في أخذ عين الجلد الذي استثناه.
والتحقيق عندي يقتضي الجبر على الذبح لتعلق حقه بعين الجلد، كما يجبر المشتري على الذبح إذا استثنى البائع أرطالًا، لتعلق حقه بعين اللحم، كما ذكرناه في المشهور في المذهب. لكن لما استخف أمر الجلد، وكان لا قدر له ولا بال، وذبح الشاة فيه إفساد للمال وبخس في الثمن، غلب أحد الضررين فكان من حق المشتري أن يدفع قيمة الجلد عوضًا ليصون بذلك ماله من إفساده بالذبح. وقال مالك: يقضى لِلْبائع بقيمة الجلد أو شرائه، يعني به مثله. وكأن هذا خارج عن الأصول، لكون العروض إنما يلزم متلفها قيمتها لا مثلها. لكن قد وقع في المذهب القضاء فيها بالأمثال فيما لا قدر له ولا بال. كما قيل: من حرق ثوب إنسان، أنه يرفوه ثم يغرم ما نقص. إلى غير ذلك مما نذكرهُ في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وإذا تقرر أن الامتناع من الذبح من حق المشتري، وأن البائع لو طلب المثل أو القيمة، قال المشتري: بل يذبح وترْفع الجلد، لكان ذلك من حقه.
لأنا إنما عدلنا إلى غرامة العوض لما يلحق المشتري من الضرر بالذبح. فإذا خفّ عليه التزام هذا الضرر عدنا إلى الأصل في أن كل ذي حق أحق بعين ماله.
وإذا قضينا بالذبح، إذا دعا إليه المشتري، فإن بعض المتأخرين ذهب إلى أن إجارة الذبح والسلخ تكون على البائع والمشتري بقدر ما يملكه كل واحد منهما من هذه الشاة، لما كانت منفعة الذبح لا يختص بها أحدهما دون الآخر، فوجب أن يشتركا فيها بقدر مالك ل واحد منهما. وينبغي أن يلتفت في هذا الذي ذكرناه