وهذا أيضًا قد يقال فيه: إن الغرر يدخل في الاستثناء من جهة البائع، ومن جهة المشتري، كما بيناه.
وها هنا لا يتصور الغرر في مشتري أرطال من لحم شاة من ناحية هزالها من سمنها. وقد أجاز ابن القاسم أن يبيع رطبًا ويستثني البائع منه مقدار الثلث كيلا يأخذه تمرًا. ولا يجوز أن يشتري مكيلة من الرطب على أن يأخذها تمرًا، لكون الشراء معاوضة حقيقيّة يجتنب فيها الغرر، وكون الاستثناء يبقي المستثنى على ملك البائع على قول الأكثر. وكذلك لا يجيز اشتراء أرطال يسيرة من لحم شاة حية، ويجوز أن يستثني البائع لها، من لحمها هذا المقدار، لأجل ما نبهناك عليه. وقد كنا قدمنا رواية مطرف عن مالك في مشتري جزور مريض واستثنى رأسه أو أرطالًا يسيرة من لحمه، فأبقاه حتى صح، أنه لا يقضي عليه بالذبح، ويعطى مثل اللحم الذي استثناه. ولم يوجب الذبح إذا اختلفا فيه. واعتذرنا عن هذا بما يغني عن ذكره ها هنا.
وأما استثناء جزء معين منها غير مقدر بكيل ولا وزن، كصوف شاة باعها، فإن ذلك يجوز. ولكن يشترط أن يجزّه البائع بعد اليومين ونحوهما. ولا يجوز اشتراط التأخير أيامًا كثيرة، بخلاف مشتري صوف غنم اشترط تأخير جزازها خمسة عشر يومًا ونحوها، فإن ذلك يجوز له إذا أبقاه ليتكامل نضجه وتعسيله ولم يبقه ليزيده نماء. لأنه إذا باع الشاة واستثنى صوفها على أن يؤخره أيامًا كثيرة فقد صارت الشاة معينة تقبض إلى أجل بعيد. وقد تقدم ذكرنا للمنع من بيع سلعة معينة تقبض إلى أجل بعيد، وذكرنا علّة ذلك في كتاب السلم.
وكذلك لو استثنى لبن شاة باعها، فإنما يجوز من ذلك أن يستثني أيامًا يسيرة، بخلاف أن يشتري لبن شاة شهرًا أو أكثر منه، لأجل ما نبهنا عليه من كون مشتري الصوف أو اللبن لم يملك رقبة الشاة ولا عاوض عليها، فيكون كمعين بيع إلى أجل.
وأما استثناء جلد الشاة المبيعة في الحضر، فالمشهور من المذهب منعه.
وأجازه ابن وهب. وأما استثناؤه إذا بيعت في السفر، فعن مالك روايتان: الجواز، وهو المشهور عنه. والمنع، ذكره الأبهري وغيره. وقال القاضي أبو