المعروف من المذهب أن هذا الاستثناء يوجب القضاء بذبح الشاة لمن دعا إلى الذبح. وإذا كان الحكم كذلك صار المشتري اشترى ما بعد اللحم المستثنى وهو مغيب. وشراء اللحم المغيب لا يجوز. وكأنه في رواية الإجازة لاستثناء الأرطال اليسيرة قدر أن الغرر في هذا خفيف ليسارة ما استثناه. وكأن ما استثناه أجري عليه حكم الحياة. وشراء شاة حية لا يمنع منه.
فإذا كانت الأرطال المستثناة من الشاة كثيرة، فإنه لم يختلف القول في منع هذا البيع وفساده لتضاعف الغرر فيه من وجهين: أحدهما كون اللحم المستثنى مغيبًا، والثاني كون المشتري جاهلًا بمقدار ما يحصل له بعد الاستثناء، ويجوز أن يأتي الاستثناء على سائر لحم الشاة، أو على أكثر لحمها, ولا يبقى له إلا النزر اليسير الذي لا بال له. وهذه المخاطرة الثانية تعدم في استثناء الأرطال اليسيرة.
واختلف في تحديد اليسير الذي يجوز استثناؤه ها هنا، فقيل: أربعة أرطال، وقيل: ستة أرطال فما دونها، وقيل: ما تقاصر عن الثلث، وقيل: الثلث في حيز اليسير ها هنا. وقد يقال ها هنا: إن ابن القاسم وافق أشهبَ على جواز بيع الصبرة من طعام واستثناء مكيلة منها هي قدر الثلث. وخالفه في استثناء أرطال من لحم الشاة، فلم يجز ما بلغ الثلث. وهذا إنما يعتذر عنه بأن الغرر في لحم الشاة يدخل من جهة كون اللحم المستثنى مغيبًا، ومن جهة ما يتخوف من كون استثناء الكثير من الأرطال يأتي على أكثرها، وطعام الصبرة مُشاهَد جميعه لا غرر فيه من هذه الجهة. فكان التخاطر فيه أخف من استثناء أرطال كثيرة من لحم الشاة. فلهذا أجاز ابن القاسم استثناء مقدار الثلث من الصبرة ولم يجز ذلك في اللحم.
وقد أشار بعض أشياخي إلى إلزام أشهب جواز استثناء الكثير من الأرطال من لحم الشاة، لأجل أنه ذهب إلى أن شراء عشرة أرطال من لحم الشاة لا يفسخ إذا كان المشتري قد حبس (?) الشاة وعرف على الجملة سمنها من هزالها.