كالجهل ببعض ما يملكه من ماله وخفائه عنه، وذلك لا يرفع ملكه عنه.
ولما علم مالك ما في هذا التعليل، أشار إلى طريقة أخرى من التعليل يتصور فيها الغرر عنده، وإن قيل: إن المستثنى مبقى على الملك، فقال: إن هذا الاستثناء يحط من ثمنها (?) فكأنه أشار بها إلى أنه وإن قيل: إن الجنين مبقى على ملك بائعه لم يدخل في البيع، فإنه يقتضي إبقاؤه على الملك غررًا في ثمن الأم؛ لأنه وضْع من ثمنها وقيمتها، لأمر لا يدري هل يحصل أم لا يحصل؟ فصار كأنه خاطر في ثمنها. وهذا أيضًا قد يقال فيه بأن هذه المخاطرة لا تعلق لَها بالمشتري، وإنما تتعلق به في تحسين نظره بنفسه فيما باعه، وسوء نظره. فكأنه أمر خارج عن العقد. فهذا منتهى ما يعلل به في منع استثناء الأجنة.
فإن وقع البيع فإنه فاسد يجب فسخه. فإن حال سوق الأمة قبل أن يفسخ، فقد فات فسخه، ولزمته الأمة بقيمتها يوم القبض. ويكون الولد له. لأنا وإن قلنا: إن المستثنى مبقى، فإن تبقيته على الملك لا تجوز. فلو ألزمنا المشتري قيمة الأم دون الجنين لكنا أمضينا الفساد الذي كنا نهينا عنه، وكنا كبائع الأم دون جنيها. ولو ولدته الأمّ قبل وجوب القيمة على المشتري وقبضه البائع الذي استثناه لما ولد، فإنا نرده إلى مشتري الأم، ولا يمضي استثناؤه لفساده. وإن فات الولد في يديه بحوالة السوق لزمه بقيمته.
وأما إن كان الاستثناء بجزء مقدر بكيل أو وزن، فإنه اختلف قول مالك في ذلك، فروي عنه منع البائع من استثناء أرطال من لحم الشاة التي باع، وإن كانت الأرطال يسيرة. وروي عنه جواز ذلك إذا استثنى أرطالًا يسيرة. فكأنه في رواية المنع قدر أن هذا الاستثناء يقتضي غررًا كنحو ما اقتضاه في استثناء الجنين؛ لأن اللحم المستثنى مغيب عن النظر لا يعلم هل هو سمين أو هزيل؟ فصار البائع لما استثناه كمشتري لحم مغيب. هذا على القول أن المستثنى مشترى. ولو قلنا: إنه مبقى، لكان الغرر ها هنا في جانب المشتري. لأن