وأما إن كانت المنافع التي استثنى البائع لم يتقدم فيها عقد إجارة، ولكنه باع دابة واستثنى ركوبها، فإن ذلك يجوز عندنا إذا استثنى أمدًا قريبًا، ويمنع إذا استثنى أمدًا بعيدًا. ومن الناس من ذهب إلى جواز هذا الاستثناء على الإطلاق.
ومنعه أبو حنيفة والشافعي على الإطلاق ..
وسبب هذا الاختلاف تعارض ظواهر الأخبار فقد خرج في الصحيح أنه عليه السلام نهى عن المخابرة والثُّنْيا (?) وغير ذلك مما ذكر في هذا الحديث.
ونهى أيضًا عن بيع وشرط (?). وروي في الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - اشترى من جابر بن عبد الله جمله، واشترط جابر ظهر الجمل إلى المدينة. فلما وصل أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الثمن والجمل (?). فمن يجيز الاستثناء لبعض المنافع يتعلق بظاهر حديثَ جابر. ومن يمنع من ذلك يتعلق بنهيه عن الثنْيا وعن بيع وشرط.
وأما مالك فإنه يجيز اشتراط ركوب الدابة إلى أمد قريب، ويمنع ذلك إلى الأمد البعيد، لكون الدابة والعبد يتغيّرَان فيه، فيصير المشتري اشترى ما لم يعلم حقيقته حين يقبضه ويصير إليه، فيكون العقد وقع على غرر فيمنع. وإذا كان الأمر قريبًا فلا غرر فيه، فيجوز حمل حديث النهي عن بيع الثنيا على ثنيا لا تجوز لكونها تتضمن الجهالة بالمبيع. ويحمل حديث جابر على ما لا يتضمن غررًا من الثنيا، فيبنى أحد الحديثين على الآخر، ولا يترك أحدهما للآخر. وقد أشار الطحاوي إلى نصرة من ذهب إلى المنع، بأن المنافع المستثناة لا تخلو من أن يقال: إنها صارت إلى البائع من قِبَل المشتري، وكأن البائعَ باعها مع الرقبة، ثم اشتراها من مشتري الرقبة. أو يقال: إنها باقية على حكم البائع. قال: ولا يصح أن يقال: إنها صارت إلى البائع من جهة المشتري، لأن المشتري لم يملكها قبل العقد، فيكون اشترى الرقبة بها وبما بذل من الثمن. فإذا لم يقدر أنه