ويقع الاستثناء على معيّن من أجزائها. مغيّب كقوله: أبيعك هذه الأمة إلا جنينها. ويقع على جزء معين، كقولك. أبيعك هذه الشاة إلا فخذها وإلا جلدها، أو إلا رأسها وسواقطها.
ويقع على جزء غير معين، ولكنه مقدر بكيل أو وزن، كقوله: أبيعك هذه الشاة إلا أربعة أرطال من لحمها، أو أبيعك هذه الصبرة إلا أربعة أقفزة منها.
والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:
أما استثناء بعض المنافع، فإن كان لكون ما استثني قد خرج عن ملك بائع الرقبة، كمن أكرى داره أو عبده مدة معلومة، ثم باع الرقبة، فإن هذا الاستثناء لهذه المنافع المبيعة إنما يجوز، عند مالك، إذا كان أمد انقضاء أمد الإجارة يقرب، على حسب ما تقدم بيانه فيما سلف من كتابنا هذا في بيع الغائب وغيره. وذلك أن تكون الإجارة في العبد تنقضي بعد اليومن والثلاثة، لأجل ما قدمناه من أنه لا يجوز بيع معين يقبض إلى أجل بعيد، وإنما يجوز إذا شرط قبضه بعد اليومين والثلاثة أو بعد سنة أو أكثر منها، على حسب ما تقدم بياننا لما ذكر العلماء في تقدير ما يجوز استثناؤه من منافع الديار إذا بيعت، وغيرها. ومنع أبو حنيفة بيع ما تقدمت فيه إجارة على الإطلاق. وللشافعي فيه قولان. فمن منعه رأى أن المبيع غير مقدور على تسلميه لمشتريه لتعلق حق من استأجره بعينه ليستوفي منها المنافع التي أكراها، فأشبه بيع ما في يد الغاصب الذي لا يقدر على تسليم ما في يده لمشتريه، ومقتضى البيع في الشرع التسليم. وإذا شرط ألا تسليم للمبيع فسد البيع.
وانفصَلَ أصحابنا عن هذا بأن المبيع في الإجارة المنافعُ، وقد كان لمالكِ الرقبةِ أن يبيعها ويُبقي الرقبة لنفسه. وكذلك له أن يبيع الرقبة ويبقي المنفعة لنفسه، أو لمن كان أكراها منه. والمشتري إنما اشترى من المستأجر رقبته، ورقبته على ملك البائع لا يمنع من التصرف فيها بحسب ما يسوغه الشرع له.
ولا يقاس هذا على ما في يد الغاصب لأجل أن الغاصب يمنع من الرقبة والمنفعة جميعًا، والمكتري للعبد أو الدار لا يمنع من الرقبة وتصرف المالك فيها بحسب ما أذن له الشرع فيه.